للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فالجواب: أن الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها ليست بمال؛ لأنها ميتة حيث لم تذك ذكاة شرعية لفقد شرط من شروط الذكاة، فليس تحريمها بإضاعة للمال، وإنما هو امتثال وطاعة لله تعالى في قوله: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) (الأنعام: ١٢١) على أن تحريم أكلها لا يمنع من الانتفاع بشحمها وودكها على وجه لا يتعدى كطلي السفن وإيقاد المصابيح ونحو ذلك، فعن ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: مر النبي صلى الله عليه وسلم بشاة يجرونها، فقال: ((لو أخذتم إهابها)) فقالوا: إنها ميتة. قال: ((يطهرها الماء والقرظ)) أخرجه أبو داود النسائي (١) ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دبغ الإهاب فقد طهر)) . رواه مسلم (٢) . وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال: ((هلا استمتعتم بإهابها)) قالوا: إنها ميتة. قال: ((إنما حرم أكلها)) . رواه البخاري (٣) .

فإن قيل: إن في تحريمها حرجا وتضييقا على الناس حيث يكثر نسيان التسمية فيكثر ما يضيع عليهم من أموالهم، وقد نفى الله سبحانه الحرج في الدين فقال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: ٧٨) .

فالجواب: أننا نقول بمقتضى هذه الآية الكريمة، وأن دين الإسلام ليس فيه ـ ولله الحمد ـ حرج ولا ضيق، فكل شيء أمر الله به؛ فلا حرج في فعله، وكل شيء نهى الله عنه؛ فلا حرج في تركه لمن قويت عزيمته، وصحت رغبته في دين الله، وها هو الجهاد أمر الله به وهو من أشق شيء على النفوس من حيث طبيعتها لما فيه من عرض الرقاب للسيوف وترك الأموال والأولاد والمألوف، ومع هذا نفى بعد الأمر به أن يكون قد جعل علينا في الدين حرجاً فقال تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: ٧٨) ، وأي حرج في اجتناب ذبيحة لم يذكر اسم الله عليها يتركها طاعة لربه في قوله (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْه) وهو ليس مضطراً إليها، ولو اضطر إليها في مخمصة غير متجانف لإثم لو سعته رحمة ربه وحلت له.

ثم إن في تحريم الذبيحة إذا لم يذكر اسم الله عليها نسيانا تقليلا


(١) رواه أبو داود، كتاب اللباس، باب في أهب الميتة، رقم (٤١٢٦) ، والنسائي، كتاب الفرع والعتيرة، باب ما يدبغ به جلود الميتة، رقم (٤٢٤٨) .
(٢) رواه مسلم، كتاب الحيض، باب طهارة جلود الميتة بالدباغ، رقم (٣٦٦)
(٣) رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب جلود الميتة، رقم (٥٥٣١)

<<  <   >  >>