للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أن تكون الكاف في {يوصيكم الله في أولادكم} مثل هذا؟ فإن قيل: ما ذكر فيه ما يقتضي اختصاص الأمة، فإنه لما خاطبهم بطاعته علم أنه ليس داخلا، وقيل: وكذلك آية الفرائض، لما قال: {آباؤكم وأبناؤكم} ، وكذلك قوله: {غير مضار} ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث" ١ واتفقت الأمة عليه حتى ظن بعض الناس أن آية الوصية نسخت به.

وأما السلف والجمهور فقالوا: الناسخ آية الفرائض; إن الله قدر فرائض محدودة منع من تعديلها، والآية لم يقصد بها بيان من يرث، ومن لا يرث، ولا بيان صفة الموروث والوارث، وإنما قصد بها أن المال الموروث يقسم بين الوارثين على هذا التفصيل، ولهذا لو كان الميت مسلما وهؤلاء كفارا لم يرثوا إجماعا، وكذلك بالعكس، وكذلك لو كان عبدا وهم أحرار، والعكس، وإذا علم أن في الموتى من يرثه أولاده ومن لا يرثه ولم يذكر صفة الوارث والموروث، علم أنه لم يقصد بها بيان ذلك، وهذا كقوله: "فيما سقت السماء العشر" ٢ قصد به الفرق بين ما يجب فيه العشر ونصفه، فلا يحتج به على صدقة الخضروات، وقوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} ٣ قصد به الفرق بينهما، ما يجوز بيعه وما لا يجوز، فلا يستدل به على جواز بيع كل شيء، ولو قدر العموم فقد خص منه الولد الكافر والعبد والقاتل بأدلة أضعف من خروجه صلى الله عليه وسلم منها. وبالجملة فإذا خصصت بنص أو إجماع خصت بنص آخر إجماعا، وفي تخصيص عموم القرآن إذا لم يكن مخصوصا بخبر الواحد خلاف، ومن سلك هذا


١ الترمذي: الوصايا (٢١٢١) , والنسائي: الوصايا (٣٦٤١) , وابن ماجه: الوصايا (٢٧١٢) , وأحمد (٤/٢٣٨ ,٤/٢٣٩) , والدارمي: الوصايا (٣٢٦٠) .
٢ البخاري: الزكاة (١٤٨٣) , والترمذي: الزكاة (٦٤٠) , والنسائي: الزكاة (٢٤٨٨) , وأبو داود: الزكاة (١٥٩٦) , وابن ماجه: الزكاة (١٨١٧) .
٣ سورة البقرة آية: ٢٧٥.

<<  <   >  >>