للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

به من الأخلاق والأعمال والسياسات هو كما قال الله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} ١. والقوم وإن كان لهم ذكاء وفطنة، وفيهم زهد وأخلاق، فهذا لا يوجب السعادة والنجاة إلا بالأصول المتقدمة، وإنما قوة الذكاء بمنْزلة قوة البدن والإرادة، فالذي يؤتى فضائل علمية وإرادية بدون تلك الأصول بمنْزلة من يعطى قوة في بدنه بدونها، وأهل الرأي والعلم بمنْزلة أهل الملك والإمارة، وكل منهم لا ينفعه ذلك إلا بالأصول المتقدمة؛ فمن لم يأت بها خلد في العذاب إذا قامت عليه الحجة بالرسل، ولما كان كل واحد من أهل الملك والعلم قد يعارضون الرسل وقد يتابعونهم، ذكرهم الله في كتابه في غير موضع، فذكر فرعون، والذي حاج إبراهيم في ربه، والملأ من قوم نوح وغيرهم، وذكر قول علمائهم كقوله: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} ٢ الآية، وقال: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ} ٣ الآيات، إلى قوله: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ} الآيات، ولهذا قال ابن عباس: "كل سلطان في القرآن فهو الحجة" وذكر في (حم غافر) من حال مخالفي الرسل من الملوك والعلماء واستكبارهم ما فيه عبرة، مثل قوله {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ} ٤ الآية، وقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ} ٥ وذكر في سورة الأنعام والأعراف وعامة السور


١ سورة الروم آية: ٧.
٢ سورة غافر آية: ٨٣.
٣ سورة غافر آية: ٤.
٤ سورة غافر آية: ٥٦.
٥ سورة غافر آية: ٦٩.

<<  <   >  >>