جاءت رسل ربنا بالحق، وهذا كقوله:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} ١ الآيات. أخبر أن الذين تركوا اتباع آياته يصيبهم ذلك، فتبين أن أصل السعادة والنجاة من العذاب هو التوحيد، واتباع الرسل، والإيمان بالآخرة، والعمل الصالح، وهذه الأمور ليست في حكمتهم، ليس فيها التوحيد، بل كل شرك في العالم إنما حدث برأي جنسهم إذ بينوا ما في الأرواح والأجسام من القوى والطبائع، وأن صناعة الطلاسم والشرك يورث منافع ويدفع مضار، فهم الآمرون بالشرك والفاعلون له، ومن لم يأمر منهم به لم ينه عنه، بل يقر هؤلاء وهؤلاء، وإن رجح الموحدين ترجيحا ما، فقد يرجح غيره من المشركين، وقد يعرض عن الأمرين جميعا. فتدبر هذا فإنه نافع جدا. وقد رأيت من مصنفاتهم في عبادة الملائكة والأنفس المفارقة أنفس الأنبياء وغيرهم، ما هو أصل الشرك. وإن ادعوا التوحيد، فهو بالقول لا بالعمل. التوحيد لا بد فيه من الإخلاص في العبادة، وهذا شيء لا يعرفونه. وتوحيدهم الذي يدعونه هو التعطيل، وفيه من الكفر والضلال ما هو من أعظم أسباب الإشراك؛ فلو كانوا موحدين بالكلام فهو لا يكفي بالنجاة والسعادة، بل لا بد أن يعبد الله وحده، ويتخذه إلها دون ما سواه، وهو معنى قول لا إله إلا الله، فكيف وهم في الكلام معطلون.
وأما الإيمان بالرسل فالذين دخلوا في الملل منهم آمنوا ببعض صفات الرسل، وكفروا ببعض، وأما اليوم الآخر فأحسنهم حالا من يقر بمعاد الأرواح، وقد أضلوا بشبهاتهم من المنتسبين إلى الملل ما لا يحيط به إلا الله. وإذا كان ما تحصل به السعادة والنجاة ليس عندهم كان ما يأمرون