للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فلو ثبت أنّ الترمذي سمّى كتابه الجامع الصحيح فهل هي مثل تسميته الجامع أو السنن أو الجامع المعلّ؟ بالتأكيد لا، وهل كلام العلماء في الترمذي ومنهجه سيكون بنفس الطريقة؟ لذا فمن يصف الترمذي حينئذ أنه متساهل لأنّه يخرج عن الضعفاء في (سننه) أو (صحيحه)، سيغير حكمه على الترمذي فيما لو ثبت لديه أنّ الترمذي أراد به جامعاً معلّاً!

ثم تجدك أحياناً أمام مشكلة أخرى، فتجد بعض أهل العلم حينما يعدد مصنفات عالم من العلماء يذكر له عدة عناوين متقاربة جداً قد يصفها بعضهم أنها مفقودة! ثم بعد التحقيق تجدها كتاباً واحداً، وأمثل بمثال واحد على هذا القول:

كتاب (الأفراد) لمسلم بن الحجاج رحمه الله، إذ فرق بعض أهل التراجم والفهارس بين هذا العنوان و (من ليس له إلا راو واحد)، وعداه مصنفين له (١)، والصحيح أنه مصنف واحد، كما بينه ابن خير الأشبيلي فسماه (الأفراد في ذكر جماعة من الصحابة والتابعين ليس لهم إلا راو واحد من الثقات) (٢).

وأوضح منه: عدُّ صاحب كشف الظنون كتاب (الإنتفاع بجلود السباع) وكتاب (الانتفاع بأهب السباع)،كتابين مستقلين لمسلم رحمه الله (٣)، والصحيح أنه كتاب واحد.

لهذا أردنا مناقشة هذه المشكلة ببعض توسع، وهو في نهاية الأمر لا يعدُ محاولة لفهم هذا الإشكال، فإنْ أصابت فبتوفيق من الله تعالى وحده، وإنْ أخطأت فمن ضعفي وقصوري، والله أعلم.

[ويمكن عزو أسباب ما قدمناه إلى أسباب مختلفة]

الأول: عدم تسمية الكتاب من قبل المصنف نفسه.

فيظهر من صنيع المتقدمين من أئمة الحديث المصنفين أنهم كانوا يجمعون أحاديثهم بشكل كتب متعددة حسب مضمون الكتاب، ويطلقون عليه اسماً مناسباً لهذا المضمون، ككتاب الطهارة، وكتاب الطلاق، وكتاب العلم ... الخ

وكانت هذه الكتب مرجعاً للمحدث، يضبط حديثه عليه، إذ كانت لدى غالب الإئمة كتب يراجعونها، بل يعاب على الشيخ الذي ليس لديه كتاب، ولمّا كان الكتاب قد يداخله الخلل أو التلف أو الضياع، ... وغيرها من الآفات آثر المحدثون تقديم ضبط الصدر على ضبط الكتاب، لمن يضبطه، أما من لا يضبط


(١) ينظر: تذكرة الحفاظ ٢/ ٥٩٠،والحطة، القنّوجي ص٢٤٨.
(٢) فهرسة ابن خير الاشبيلي ص١٨١.
(٣) كشف الظنون، حاجي خليفة ١/ ١٧٥،و٢/ ١٣٩٩.

<<  <   >  >>