للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أما تعميمه على جميع المحدثين ففيه مغالطة كبيرة، فأئمة الحديث، وطلاّبة السنّة ومدارات الروايات فقهاء، كـ (محمد بن سيرين، وسعيد بن المسيب، وعامر الشعبي، وإبراهيم النخعي، ونافع، وقتادة، والزهري، وحماد بن سلمة، والليث، والأوزاعي، وشعبة، والثوري، وابن عيينة، ومالك، والشافعي، وأحمد،

والبخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي)،وغيرهم خلق كثير.

هؤلاء هم من جلّة المحدثين وعليهم تدور أغلب الروايات، وكل واحد منهم مدرسة فقهية بذاته، ولو سلّمنا جدلاً بهذا القول، فهو في حقبة زمنية معينة كما قال أحمد:"كان الفقهاء أطباء والمحدثون صيادلة فجاء محمد بن إدريس طبيباً صيدلانياً" (١).

فراح بعض المشتغلين بالفقه يؤصل لمسائل من قبل رأيه مخالفاً لنصوصٍ صريحة، ومن ذلك: قال أبو السائب:"كنا عند وكيع، فقال لرجل عنده ممن ينظر في الرأي: أشعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقول أبو حنيفة هو مثلة. قال الرجل: فإنه قد روي عن إبراهيم النخعي أنه قال: الإشعار مثلة. قال: فرأيت وكيعا غضب غضباً شديداً، وقال: أقول لك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،وتقول: قال إبراهيم! ما أحقك بأن تحبس، ثم لا تخرج حتى تنزع عن قولك هذا" (٢).

ولابن عبد البر توجيه لمثل هكذا عبارات، فقال عقب قول زكريا القطان: " رأيت سفيان بن عيينة، وقد ألجأه أصحاب الحديث إلى الميل الأخضر، فالتفت إليهم فقال: ما أرى الذي تطلبونه من الخير، ولو كان من الخير لنقص كما ينقص الخير". قال أبو عمر -ابن عبد البر-: " هذا كلام خرج على ضجر وفيه لأولي العلم نظر" (٣).

وكذا عبارة الأعمش السابقة إنما خرجت من باب التواضع لأبي حنيفة رحمه الله وإلاّ فالأعمش من الفقهاء ومن أعرف الناس بالفرائض قال سفيان بن عيينة:" كان الأعمش أقرأهم لكتاب الله، وأحفظهم للحديث، وأعلمهم بالفرائض " (٤).


(١) تاريخ دمشق، ابن عساكر ٥١/ ٣٣٤.
(٢) أخرجه الترمذي في الجامع عقب حديث (٩٠٦).
(٣) جامع بيان العلم وفضله ٢/ ١٠١٦.
(٤) تاريخ ابن معين براية الدوري ٣/ ٣٨٨.

<<  <   >  >>