إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فمن نعم الله تعالى علينا، ونعمه تترا أنْ منَّ علينا -بعد نعمة الإسلام- بالاشتغال بهذا العلم المبارك، فالقرآن الكريم هو حبل الله المتين قد تكفل ربّ العزة جل جلاله بحفظه، فقال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩].
وهيأ للسنة النبوية رجالاً أفذاذاً تعلموا العلم وحملوه ونشروه بين النّاس، وحموه من الدخَلة والنحَلة، فكم من مبتدع ألقموه حجراً، وكم من مفترٍ ردوه خائباً وهوحسير، رفعوا لواء الدين فما وهنوا وما ضعفوا وما استكانوا، ولا زالت قافلتهم تسير تشق غبار الأرض وتعانق سامقة الجبال، كانوا رهباناً بالليل، فرساناً بالنهار، تجدهم في حلقهم جالسين، وفي مواجهة البدع والزيغ صامدين، وفي دنياهم زاهدين، جعلوها مطية لآخرتهم، فنالوا الحسنيين، فأنعم وأكرم بركب: محمد - صلى الله عليه وسلم - قدوته، والصحابة أسّه، والتابعون عمدته، وأتباعهم حماته، والصادقون بعد أتباعه.
ومن المعلوم أنّ لكل علم من العلوم مصطلحات خاصة به، يتعارف عليها المشتغلون به، وهذه المصطلحات تنتقل بينهم جيلاً بعد جيل، لا يحتاج التلميذ بيانه من شيخه في الغالب الأعم، فهل يحتاج المصنف في الفقه وأصوله -مثلاً-أنْ يبيّن معنى اطلاقه لفظة (المكروه) في تواليفه أو دروسه؟ بالتأكيد لا، وكذا في النحو، والصرف ... الخ
وقل مثل ذلك في الحديث النبوي، فلم يحتج الزهري أنْ يفسر لتلميذه ابن عيينة -مثلاً- معنى قوله: صحيح، باطل، كذب، .... الخ، وهكذا بالنسبة لابن نمير فلا يحتاج إلى بيانه من شيخه ابن عيينة، ولا مسلم من شيخه ابن نمير، لاستغنائهم عن ذلك باشتهار هذه الألفاظ فيما بينهم.
وهكذا مضت سنة أهل العلم في تلقي العلم وأدائه، في كل فنّ من فنونه.