للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وبنحوه قال الخطيب في مقدمة كتابه الكفاية:" قد استفرغت طائفة من أهل زماننا وسعها في كتب الأحاديث والمثابرة على جمعها من غير أن يسلكوا مسلك المتقدمين، وينظروا نظر السلف الماضين في حال الراوي والمروي، وتمييز سبيل المرذول والرضي، واستنباط ما في السنن من الأحكام، وإثارة المستودع فيها من الفقه بالحلال والحرام، بل قنعوا من الحديث باسمه، واقتصروا على كتبه في الصحف ورسمه، فهم أغمار، وحملة أسفار ... فجر هذا الفعل منهم الوقيعة في سلف العلماء، وسهل طريق الطعن عليهم لأهل البدع والأهواء، حتى ذم الحديث وأهله بعض من ارتسم بالفتوى في الدين .. " (١).

ولما كان لأهل الفقه والأصول السبق في تصنيف كتب مصطلح الحديث، ولاسيما الشافعية منهم، فقد ظهر منهجهم الفقهي بسطوع في غالب أبواب هذه الكتب، ثم أدخلوا فيها مباحث فقهية أصولية بحتة، لم يتعرض لها أهل الحديث البتة، كمبحث المتواتر والآحاد، وإطلاق قبول الزيادة من الثقة، وغيرها من المباحث الأخرى، ومن يقرأ كتاب الكفاية يجد الخطيب يرجح صنيع الفقهاء في أكثر من موضع، مع أنه يكتب في مصطلح أهل الحديث!

فقال -مثلاً-في مبحث زيادة الثقة بعد عرض الأقوال المختلفة:" والذي نختاره من هذه الأقوال أنّ الزيادة الواردة مقبولة على كل الوجوه" (٢).

وهذا مذهب الفقهاء لا مذهب أهل الحديث، بل لم يقبله بهذه الصورة أحد من أهل الحديث؟

وقال الخطيب في باب تعارض الوصل والإرسال:"قال أكثر أصحاب الحديث: إنّ الحكم في هذا أو فيما كان بسبيله للمرسل، وقال بعضهم: إنْ كان عدد الذين أرسلوه أكثر من الذين وصلوه فالحكم لهم، وقال بعضهم: إنْ كان من أرسله أحفظ من الذي وصله فالحكم للمرسل، ولا يقدح ذلك في عدالة الذي وصله، ومنهم من قال: لا يجوز أنْ يقال في مسند الحديث الذي يرسله الحفاظ: إنه عدل، لأن إرسالهم له يقدح في مسنده فيقدح في عدالته، ومنهم من قال: الحكم للمسند إذا كان ثابت العدالة ضابطا للرواية، فيجب قبول خبره، ويلزم العمل به، وإن خالفه غيره، وسواء كان المخالف له واحداً أو جماعة، وهذا القول هو الصحيح عندنا، لأن إرسال الراوي للحديث ليس بجرح لمن وصله ولا تكذيب له" (٣).


(١) الكفاية ص٣ - ٤
(٢) الكفاية ص٤٢٥.
(٣) الكفاية ص٤١١

<<  <   >  >>