للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كنت رأيتك تقصر عاماً ماضياً فقصرت السَّنة كلها زعماً مني أن الصلاة ركعتان، وبعض التأويلات مذكورة في الطحاوي ص (٤٤٧) ، لكن هذه ليست على جوابه من الإتمام حين أنكر عليه الصحابة منهم ابن مسعود، بل هاهنا ذكر مذهب عثمان حاصله أن القصر لمن كان في حال السير لا في حال النزول، فإنه قال: لا قصر لجابٍ ولا هائمٍ ولا تاجر، وإنما القصر لمن زاد وحمل المزاد ورحل وارتحل إلخ، وليس هذا مذهب أحد من الأربعة، وبعض وجوه التأويلات مذكورة في مصنف ابن أبي شيبة والسنن الكبرى البيهقي، وبعض التأويلات مروية عن لسانهما، وروي عن عائشة، قالت: لا أقصر في السفر لأني لا أجد مشقة، وأيضاً نقول: إن عائشة إنما أتمت بعد ارتحاله عليه الصلاة والسلام إلى دار البقاء، وأيضاً لما أتم عثمان أنكر عليه الصحابة ومن المنكرين ابن مسعود كما في أبي داود ص (٣٧٠) وفي الروايات أن ابن مسعود استرجع على إتمام عثمان، وفيه: فقيل لابن مسعود: أنك عِبتَ على عثمان ثم صليت خلفه أربعاً؟ فقال: الخلاف شر. . إلخ. فقال الشافعية: إن اقتداء ابن مسعود يدل على أن الإتمام عنده جائز، وإن كان الأولى القصر، فإنه لو لم يكن الإتمام جائزاً ما اقتدى ابن مسعود خلف عثمان، والجواب عن هذا على مشربنا أن عثمان لما تأول فصار مجتهداً في مسألته. ومسألتُه مجتهدة فيها، فإذن اقتدى ابن مسعود خلف عثمان في المجتهد فيه، وذلك جائز عندنا، وأجاب شمس الأئمة السرخسي أن عثمان لما نكح بمكة وتأهل ثمة فصار مقيماً، فعليه أربع ركعات، وأما ابن مسعود فقال: إن سنة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان القصر هاهنا في منى، ولما أقمت فالأولى لك أن يقتدى خلف يقصر ويكون الإمام من يقصر، لتكون سنة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باقية صورة، ولا تكون أنت إماماً للناس لأنك مقيم وتصلي أربعاً، ولكنه لما صلى بهم عثمان وكان مقيماً صلى خلفه ابن

مسعود أربعاً، لأن صلاته هذه خلف من يزعمه أنه مقيم، فإذن لا ضير علينا، وجواب شمس الأئمة قوي لطيف، فثبت أن إتمام عثمان بمنى وإتمام عائشة لم يكن لكون الإتمام في السفر جائزاً، بل للتأويلات، ثم تمسك الشافعية بحديث عائشة، أخرجه النسائي ص (٢١٣) والدارقطني بسند قوى، قالت: اعتمرت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت بمكة قالت: يا رسول الله بأبي أنت، قصرت وتممت، وأفطرت وصمت، وقال: (أحسنت يا عائشة) وما عاب عليّ. . الخ، فدل على جواز الإتمام وإن لم يثبت الإتمام عنه والشيخين، ونسب النووي ص (٢٤١) هذه رواية الدارقطني إلى أنها أخرجها مسلم، والحال أنها ليست في مسلم أصلاً، فالجواب عن الحديث بأنه مر عليه الحافظ وابن تيمية وابن قيم في زاد المعاد ص (١٣٣) وقال: إنه كذب على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أقول: لا يقال ما قال ابن تيمية، نعم يمكن أن يعمل الحديث فإن سنده قوي برجال ثقات، ثم قيل: إن في سنن الدارقطني تصحيفاً، فإنه ذكر في لفظ: (كان يصوم ويفطر ويتم ويقصر) ،

<<  <  ج: ص:  >  >>