للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والصحيح كان يقصر ـ أي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ وتُتِم ـ أي عائشة ـ وكان يفطر وتصوم ـ أي عائشة، والله أعلم. وكذلك، قال ابن تيمية وابن حجر بأنه تصحيف في الدارقطني، وأما الرواية التي مرت عن عائشة فقال ابن تيمية: إنها كذب، وأعلّها ابن كثير بأنه عليه الصلاة والسلام لم يخرج معتمراً في رمضان إلا في فتح مكة، ولم يعتمر ثمة، والله أعلم. فقال الشافعية: إن لفظ في رمضان لعله سهو من الراوي بأنه عليه الصلاة والسلام خرج في رمضان، ثم ذهب إلى حنين، ثم رجع عنها واعتمر في ذي القعدة، وأعلَّ الحافظ أيضاً في بلوغ المرام تلك الرواية، وأشار إلى وجه التعليل في تلخيص الحبير بأن عائشة لو كانت عندها هذا الحديث منه عليه الصلاة والسلام لما احتاجت إلى التأويل عند إتمامها، وفي الصحيحين عند عروة تأولت كما تأول عثمان، أقول: لا يصح هذا وجهاً للتعليل، وجواب الحديث على تقدير صحته: إنه عليه الصلاة والسلام قال لعائشة: (أحسنت) ، ولا يدل هذا على إجازة الإتمام بل هذا إغماض عما فعلت لعدم علمها بالمسألة، كما قلت في سنتي الفجر، وكما في أبي داود ص (٤٩) قصة رجلين تيمما وقائع أخر، ويمكن أن يقال: إن إتمام عائشة كان في مكة لا طريق مكة، فإنه عليه الصلاة والسلام لما فتح الله عليه مكة زعمت عائشة أنه عليه الصلاة والسلام يقيم أياماً كثيرة في مكة، وأقام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مكة خمسة عشر يوماً، وسبعة عشر، أو ثمانية عشر، أو تسعة عشر يوماً، على اختلاف الروايات، رواية خمسة في أبي داود بسند قوي، وما أراد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الإقامة بمكة، بل كان يريد أن يخرج إلى حنين غداً أو بعد غد، فمضى في هذه الأيام الكثيرة ثم خرج إلى حنين وبلغ عائشة كان يقصر بمكة في هذه الأيام، فقال: قصرت وأتممت، وأفطرت وصمت، فإذن كان صومها وصلاتها صوم

المقيم وصلاته، وتحسينه عليه الصلاة والسلام على هذا، وهذا الجواب متحمل قدر شيء على مسائلنا، فالحديث لا يدل على جواز الإتمام في السفر، وفور ذخيرة الأحاديث، وتعامل السلف يرد جواز الإباحة، ثم تمسك الشافعية بآية: {لا جناح عليكم أن تقصروا} إلخ فدل لفظ (لا جناح) على أن إتمام الصلاة أيضاً جائز، والقصر ليس بضروري، والمشهور في الجواب بأنهم زعموا أن في القصر نقصان الصلاة وإساءة، فقال الله ردا لذلك الزعم: {لا جناح عليكم} . . . إلخ والجواب الصحيح بأن في الآية تفسيرين، قيل: إن القصر المذكور في الآية قصر العدو، والآية نازلة في قصر صلاة المسافر لآية {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ} [النساء: ١٠١] الآية، ولزم إشكال على هذا التفسير، وهذا التفسير بعض، وقيل: إن الآية واردة في قصر الصفة والهيئة، أي في صلاة الخوف، وهذا القول قول آخرين من ابن جرير وابن كثير وصاحب البدائع من الأحناف وغيرهم، ويؤيدهم آية القرآن، فإن المذكور فيها قصر الخوف، فالآية

<<  <  ج: ص:  >  >>