للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رواية عن زفر من شرع في الصلوات في الأوقات المكروهة ثم أفسدها لا قضاء عليه واختارها ابن همام في تحرير الأصول، ولو نذر الصوم في لعلها هذه الأيام صح نذره ويصوم في الأيام الأُخر، وأما انعقاد النذر فيجب التلفظ باللسان ولفظ لله عليّ أو كلمة الشرط والجزاء وفي جزيته عن السرخسي ما يدل على أن لفظ عليّ فقط أيضاً قائم مقام لله عليّ، وفي رواية عن أبي يوسف أن من نذر أن يصوم صوم يوم الاثنين مثلاً فاتفق في ذلك اليوم العيد صح نذره ويصوم يوماً آخر ولو نذر صوم يوم العيد بالتعيين فنذره باطل، وفي الصورة الأولى لو صام فبر وعصى وكنت متردداً في وجه الفرق بين شروع الصلاة في الأوقات المكروهة فإنها يجب قضاؤها إلا في رواية عن أبي يوسف وبين شروع الصوم في الأيام الخمسة المكروهة فإنه لا قضاء فيه إن لم ينذر وقال البعض: إن في الصوم إذا أمسك ساعة فبعدها تكون الأجزاء متكررة بخلاف الصلاة فإنه ما لم يركع ركعة واحدة لا يقال له إنه مصل فإذا صلى ركعة واحدة فقد أدى قدراً معتداً به فلا ينبغي إلغاؤه، ولم يكن هذا شافياً حتى رأيت في البدائع عن أبي بكر العياضي وجهين:

أحدهما: أن عدم جواز الصوم في الأيام الخمسة متفق عليه لا يشذ عنهم شاذ وأما جواز الصلاة في الأوقات المكروهة فمختلف فيه فإن الشافعي يجوزها فيها إذا كانت ذات سبب.

وثانيهما: أن المصلي إذا شرع في الصلاة وكبر فصارت تحريمته بمنزلة النذر بخلاف الصوم فإنه إذا شرع فلم يتلفظ بشيء فلم يكن الشروع بمنزلة النذر، وفي النذر حقيقة يلزمان أي الصوم والصلاة ويجب الإفساد والقضاء، وهاهنا بحث طويل للحافظ ابن تيمية رحمه الله وأطنب إطناباً، وحاصله أن نهي الشارع عن أمر يقتضي بطلان ذلك الأمر، ولا يمكن اجتماع صحة أمر مع ورود النهي عنه لا عقلاً ولا شرعاً، وأما في كتب أصولنا، ففي كتب الأحناف والشافعية عبارات، منها ما في كتبنا: أن النهي لا ينافي الصحة إلا لداع، وفي عبارة للشافعية: أن النهي يقتضي البطلان إلا لمانع، ثم في عبارة لنا: أن الأفعال على قسمين حسيّة مثل الزنا وشرعية مثل الصلاة وغيرها، والنهي الوارد في الحسيّة يدل على البطلان، والنهي الوارد على الشرعية لا ينافي الصحة، والوجوه لهذا عديدة وأحسنها أن في الحسية يكون النهي وارداً على جميع الجزئيات ومنسحبةً عليها، وأما في الشرعية فلا يكون منسحباً على جميع الجزئيات بل تكون بعضها خارجة عنه وتكون مشروعة مثل الصلاة والصوم فإنهما مكروهان في الأوقات والأيام المكروهة لا في غيرها فلا يقتضي البطلان، فدار النهي على نظر المجتهد وأما ما في بعض الكتب أن النهي يقرر المشروعية فمشكل، والصواب أن يقال: إن النهي لا ينافي الصحة، وفي عبارة للشافعية: أن النهي الوارد على العبادات يقتضي البطلان والوارد على المعاملات لا يقتضي البطلان فإن في المعاملات طرفين دنيوياً وأخرويّاً وأما في العبادات فليس الاطراف الآخرة فإذا انتفى الثواب لم يبق شيء، واختاره ابن همام في التحرير وقال: إن العبادات

<<  <  ج: ص:  >  >>