للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحنفي رحمه الله صاحب كتاب منار الأحكام في الحديث لبيان المذاهب الأربعة، وطريقه في منار الأحكام طريق المحدثين وهو من الكبار المحققين، اختار أن الأفضل التمتع بغير سوق الهدي ثم القران ثم التمتع بسوق الهدي ثم الإفراد، وظني أن التمتع المذكور في القران لعله مصطلح الفقهاء، وإليه تشير ألفاظ القرآن {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٦] إلخ، وأقول في اختلاف روايات الصحابة في حجه أن من قال: إنه كان متمتعاً، فمراده التمتع اللغوي كما قال بعض العلماء، وأما إثبات أنه كان قارناً فعلينا، وذخيرته كثيرة، منها ما مر عن جابر في أول الأبواب، ومنها ما في آخر البخاري تصريح: أنه اعتمر مع حجته إلخ، لا أنه وقع في غير موضع الحج، ومنها ما في تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي الحنبلي عن ستة عشر رجلاً ثقة قال أنس: إني سمعت بأذناي تلبية النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه لبى بحجة وعمرة وكنت آخذ بلجام ناقته، وفي مسلم (٤٠٥) عن أنس قال: سمعت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يلبي بالحج والعمرة جميعاً، قال بكر: فحدثت بذلك ابن عمر فقال: لبى بالحج وحده، فلقيت أنساً فحدثته بقول ابن عمر فقال أنس: ما تعدونا إلا صبياناً سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: لبيك عمرة وحجاً، فلا يمكن إنكار قرانه أصلاً، ثم الإفراد الذي رواه بعض الصحابة لا يجب أولاً جوابه بعد إثبات قرانه ولأن القران مثبت والإفراد نفي، والمثبت مقدم على المنفي، وقد روى الزيلعي قرانه عن اثنين وعشرين صحابياً، والرجل قادر على أزيد منهما، فجواب الإفراد منا ليس إلا تبرع، فنقول قال بعض الأحناف: إنه أفرد بالحج، أي شرع الإفراد، لا أنه كان مفرداً بنفسه، وعندي مراد أنه أفرد بالحج أنه اعتمر وحج بإحرام واحد بدون الحلال في الوسط مثل المتمتع بغير سوق الهدي فإنه يحل في

الوسط، ولم يحل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل ما أمر أصحابه الذين لم يسوقوا الهدايا، فاستنكر الصحابة أن يحلوا أو يروحون إلى منى ومذاكيرهم تقطر منياً، ووجه استنكاف الصحابة سيأتي عن قريب، ويمكن أن يقال في أنه أفرد بالحج وتمتع بالحج وقارن: بأن اختلاف الصحابة ليس في إحرامه بل الإحرام كان إحرام القارن وإنما اختلافهم في تلبية النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي لفظها أنه ذكر لفظ الحج أما الحج والعمرة أو غيرهما، لمولانا هاهنا لطيفة، وهو أن الشافعية قالوا في رواية سراقة بن مالك: «إن العمرة دخلت في الحج إلخ» إن المراد به أن أفعال العمرة دخلت في أفعال الحج فينبغي لنا أن نقول في أفرد بالحج إلخ: إنه جعل الحج والعمرة مفرداً مفرداً، وهاهنا شيء آخر وهو أن ابن الهمام كان يقول: إن المكي لا يجوز له العمرة في أشهر الحج، أراد الحج من عامه أم لا؟ وهذا خلاف الأحناف فإنهم يقولون: إن من أراد الحج من أهل مكة لا يجوز له العمرة في أشهر الحج، ولا يجوز للآفاقي في خمسة أيام وهي التاسع والعاشر الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وذكر بحثه في فتح القدير، ودعواه أن زعم عدم جواز العمرة في أشهر الحج لم يكن محض زعم الجاهلية بل كان ملة إبراهيم ثم صار جائزاً في الشريعة الغرّاء للآفاقي، وأما المكي فالنهي في حقه باق فإنه لا يجوز له القران والتمتع، ثم في هوامش فتح القدير أنه رجع عن تحقيقه هذا بعد خمسة وثلاثين سنة، ثم هذه الحاشية في كتب هذا العصر في بعض النسخ

<<  <  ج: ص:  >  >>