واجتهاد معناه أحسبت أن تناله بالبطالة والهوينا فأنت جاهل أم لم تحسب ذلك فأنت مفرط وكذلك:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي أحسبوا هذا فهم مغترون أم لم يحسبوه فما لهم مقيمون على السيئات وعلى هذا سائر ما يرد عليك من هذا الباب وتأمل كيف يذكر سبحانه القسم الذي يظنونه ويزعمونه فينكره عليهم وأنه مما لا ينبغي أن يكون ويترك ذكر القسم الآخر الذي لا يذهبون إليه فتردد الكلام بين قسمين فيصرح بإنكار أحدهما وهو الذي سيق لإنكاره ويكتفي منه بذكر الآخر وهذه طريقة بديعة عجيبة في القرآن نذكرها في باب الأمثال وغيرها وهي من باب الإكتفاء عن غير الأهم بذكر الأهم لدلالته عليه فأحدهما مذكور صريحا والآخر ضمنا ولذلك أمثلة في القرآن يحذف منها الشيء للعلم بموضعه فمنها قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا}{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ}{وَإِذْ فَرَقْنَا} وهو كثير جدا بواو العطف من غير ذكر عامل يعمل في إذ لأن الكلام في سياق تعداد النعم وتكرار الأقاصيص فيشير بالواو العاطفة إليها كأنها مذكورة في اللفظ لعلم المخاطب بالمراد ولما خفي هذا على بعض ظاهرية النحاة قال إن أو زائدة هنا وليس كذلك ومن هذا الباب الواو المتضمنة معنى رب فإنك تجدها في أول الكلام كثيرا إشارة منهم إلى تعداد المذكور بعدها من فخر أو مدح أو غير ذلك فهذه كلها معان مضمرة في النفس وهذه الحروف عاطفة عليها وربما صرحوا بذلك المضمر كقول ابن مسعود: "دع ما في نفسك وإن أفتوك عنه وأفتوك" ومن هذا الباب حذف كثير من الأجوبة في القرآن لدلالة الواو عليها لعلم المخاطب أن الواو عاطفة ولا يعطف بها إلا على شيء كقوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} وكقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} وهذا الباب واسع في اللغة فهذا ما في هذه المسألة وكان قد وقع لي هذا بعينه أمام المقام بمكة وكان يجول في نفسي فأضرب عنه صفحا لأني لم أره في مباحث القوم