للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل: إن في هاتين الآيتين قرينة تقتضي تخصيص المعنى بهذا اللفظ دون غيره أما قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} فلأن قبلها ذكر فريقين مختلفين ذكر مؤمنين وظالمين فلو قال: يعملون وجمعهم في الإخبار عنهم لبطل معنى الاختلاف فكان لفظ الإفراد أدل على المعنى المراد كأنه يقول: كل فهو يعمل على شاكلته وأما قوله: {كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ} فلأنه ذكر قرونا وأمما وختم ذكرهم بذكر قوم تبع فلو قال كل كذبوا وكل إذا أفردت إنما تعتمد على أقرب المذكورين إليها فكان يذهب الوهم إلى أن الإخبار عن قوم تبع خاصة بأنهم كذبوا الرسل فلما قال: {كُلٌّ كَذَّبَ} علم أنه يريد كل فريق منهم لأن إفراد الخبر عن كل حيث وقع إنما يدل على هذا المعنى كما تقدم ومثله: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ} وأما قولنا: في كل إذا كانت مقطوعة عن الإضافة فحقها أن تكون مبتدأة فإنما يريد أنها مبتدأة يخبر عنها أو مبتدأة باللفظ منصوبة بفعل بعدها لا قبلها أو مجرورة يتعلق خافضها بما بعدها نحو: {وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} وقول الشاعر:

بكل تداوينا

ويقبح تقديم الفعل العامل فيها إذا كانت مفردة كقولك ضربت كلا ومررت بكل وإن لم يقبح كلا ضربت وبكل مررت من أجل أن تقديم العامل عليها يقطعها عن المذكور قبلها في اللفظ لأن العامل اللفظي له صدر الكلام وإذا قطعتها عما قبلها في اللفظ لم يكن لها شيء تعتمد عليه قبلها ولا بعدها فقبح ذلك وأما إذا كان العامل معنويا نحو كل ذاهبون فليس بقاطع لها عما قبلها من المذكورين لأنه لا وجود له في اللفظ فإذا قلت ضربت زيدا وعمرا وخالدا وشتمت كلا وضربت كلا لم يجز ولم يعد بخبر لما قدمناه إذا عرفت هذا فقولك كل إخوتك ضربت سواء رفعت أو نصبت يقتضي وقوع الضرب بكل واحد منهم وإذا قلت كل إخوتك ضربني يقتضي أيضا أن كل واحد منهم ضربك فلو قلت كل إخوتي ضربوني وكل القوم جاءوني احتمل ذلك واحتمل أن يكونوا اجتمعوا في الضرب والمجيء لأنك أخبرت عن جملتهم بخبر واقع عن الجملة بخلاف قولك

<<  <  ج: ص:  >  >>