للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

واستحق التغليط بل الذات هنا كالجنب في قوله تعالى: {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} ألا ترى أنه لا يحسن أن يقال هاهنا فرطت في نفس الله وحقيقته ويحسن أن يقال فرط في ذات الله كما يقال فعل كذا في ذات الله وقتل في ذات الله تعالى وصبر في ذات الله فتأمل ذلك فإنه من المباحث العزيزة الغريبة التي يثنى على مثلها الخناصر والله الموفق المعين.

فائدة:

ما الفائدة في إبدال النكرة من المعرفة وتبيينها بها فإن كانت الفائدة في النكرة فلم ذكرت المعرفة وإن كانت في المعرفة فما بال ذكر النكرة قيل: هذا فيه نكتة بديعة وهي أن الحكم قد يعلق بالنكرة السابقة فتذكر ويكون الكلام في معرض أمر معين من الجنس مدحا أو ذما فلو اقتصر على ذكر المعرفة لاختص الحكم به ولو ذكرت النكرة وحدها لخرج الكلام عن التعرض لذلك المعين فلما أريد الجنس أتى بالنكرة ووضعت إشعارا بتعليق الحكم بالوصف ولما أتي بالمعرفة كان تنبيها على دخول ذلك المعين قطعا ومثال ذلك قوله تعالى: {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} فإن الآية كما قيل: نزلت في أبي جهل ثم تعلق حكمها بكل من اتصف به فقال: {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ} تعيينا {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} لعدمه وتنبيها ولذلك اشترط في النكرة في هذا الباب أن تكون منعوتة لتحصيل الفائدة المذكورة وليتبين المراد وأما قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً} ففيها قولان أحدهما: أن شيئا بدل من رزقه ورزقا أبين من شيئا لأنه أخص منه والأخص أبين من الأعم وجاز هذا من أجل تقدم النفي لأن النكرة إنما تفيد بالإخبار عنها بعد النفي فلما

<<  <  ج: ص:  >  >>