في الدين وإنما أراد صراطا في الرأي والحرب والمكيدة وقوله تبارك وتعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي تهدي من الكفر والضلال إلى صراط مستقيم ولو قال في هذا الموطن إلى الصراط المستقيم لجعل للكفر وللضلال حظا من الإستقامة إذ الألف واللام تنبيء أن ما دخلت عليه من الأسماء الموصلة أحق بذلك المعنى مما تلاه في الذكر أو ما قرب به في الوهم ولا يكون أحق به إلا أن يكون في الآخر طرف منه وغير خاف ما في هذين الجوابين من الضعف والوهن أما قوله أن المراد بقوله: {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} في الحرب والمكيدة فهضم لهذا الفضل العظيم والحظ الجزيل الذي امتن الله به على رسول صلى الله عليه وسلم وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الآية أحب إليه من الدنيا وما فيها ومتى سمى الله الحرب والمكيدة صراطا مستقيما وهل فسر هذه الآية أحد من السلف أو الخلف بذلك بل الصراط المستقيم ما جعله الله عليه من الهدى ودين الحق الذي أمره أن يخبر بأن الله تعالى هداه إليه في قوله: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ثم فسره بقوله تعالى: {دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ونصب دينا هنا على البدل من الجار والمجرور أي هداني دينا قيما أفتراه يمكنه هاهنا أن يقول إن الحرب والمكيدة فهذا جواب فاسد جدا وتأمل: ما جمع الله سبحانه لرسوله في آية الفتح من أنواع العطايا وذلك خمسة أشياء أحدها: الفتح المبين والثاني: مغفرة ما تقدم من ذنبه وما تأخر والثالث: هدايته الصراط المستقيم والرابع: إتمام نعمته عليه والخامس: إعطاء النصر العزيز وجمع سبحانه له بين الهدى والنصر لأن هذين الأصلين بهما كمال السعادة والفلاح فإن الهدى هو العلم بالله تعالى ودينه والعمل بمرضاته وطاعته فهو العلم النافع والعمل الصالح والنصر والقدرة التامة على تنفيذ دينه فالحجة والبيان والسيف والسنان فهو النصر بالحجة واليد وقهر القلوب المخالفين له بالحجة وقهر أبدانهم باليد وهو سبحانه كثيرا ما يجمع بين هذين الأصلين إذ بهما تمام الدعوة وظهور دينه على الدين كله كقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ}