نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} أي ما لعناهم إلا بنقضهم ميثاقهم ونحو:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} أي ما لنت لهم إلا برحمة من الله ولا تسمع قول من يقول من النحاة أن ما زائدة في هذه المواضع فإنه صادر عن عدم تأمل فإن قيل: فمن أين لكم أفادت ما هذه المعنيين المذكورين من النفي والإيجاب وهي لو كانت على حقيقتها من النفي الصريح لم تفد إلا معنى واحد وهو النفي فإذا لم يكن النفي صريحا فيها كيف تفيد معنيين قيل: نحن لم ندع أنها أفادت النفي والإيجاب بمجردها ولكن حصل ذلك منها ومن القرائن المحتفة بها في الكلام أما قولهم شر ما جاء بها فلما انتظمت مع الاسم النكرة والنكرة لا يبتدأ بها فلما قصد إلى تقديمها علم أن فائدة الخبر مخصوصة بها وأكد ذلك التخصيص ب ما فانتفى الأمر عن غير هذا الاسم المبتدأ ولم يكن إلا له حتى صار المخاطب يفهم من هذا ما يفهم من قوله ما جاء به إلا شر واستغنوا هنا ب ما هذه عن ما النافية وبالابتداء بالنكرة عن إلا وأما قولك إنما زيد قائم فقد انتظمت ب أن وامتزجت معها وصارتا كلمة واحدة وأن تعطى الإيجاب الذي تعطيه إلا وما تعطي النفي ولذلك جاز إنما يقوم أنا ولا تكون أنا فاعله إلا إذا فصلت من الفعل ب إلا تقول ما يقوم إلا أنا ولا تقول يقوم أنا فإذا قلت: إنما قام أنا صرت كأنك لفظت ما مع إلا قال:
أدافع عن أعراض قومي وإنما ... يدافع عن أعراضهم أنا أو مثلي
فإذا عرفت أن زيادتها مع أن واتصالها بها اقتضى هذا النفي والإيجاب فانقل هذا المعنى إلى اتصالها بحرف الجر من قوله:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} و {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} وتأمل كيف تجد الفرق بين هذا التركيب وبين أن يقال فبرحمة من الله وفبنقضهم ميثاقهم وإنك تفهم من تركيب الآية ما لنت لهم إلا برحمة من الله وما لعناهم إلا بنقضهم ميثاقهم وكذلك قوله: {فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ} دلت على النفي بلفظها وعلى الإيجاب بتقديم ما حقه التأخير من المعمول وارتباط ما به مع تقديم كما قرر في قولهم شر ما جاء به وقد بسطنا هذا في كتاب الفتح المكي وبينا هناك أنه ليس في القرآن حرف