على ذلك كان السلام الثاني هو الأول بعينه فلم يفد فائدة متجددة وفي ذلك شح بسلام متجدد وإخلال بمقاصد المتكاتبين من تعداد الجمل والفصول واقتضاء كل جمله لفائدة غير الفائدة المتقدمة حتى أن قارئ الكتاب كلما قرأ جمله منها لفائدة غير الفائدة المتقدمة تطلعت نوازع قلبه إلى استفادة ما بعدها فإذا كررت له فائدة واحدة مرتين سئمتها نفسه فكان اللائق بهذا المقصود أن يجدد له سلاما غير الأول يسره به كما سره بالأول وهو السلام العام الشامل ولما فرغ الكاتب من فصول كتابه وختمها أتى بالواو العاطفة مع السلام المعرف فقال: والسلام عليكم أي وبعد هذا كله السلام عليكم وقد تقدم أن السلام إذا انبنى على اسم مجرور قبله وكان سلام رد لا ابتداء فإنه يكون معرفا نحو وعليك السلام ولما كان سلام المكاتب هاهنا ليس بسلام رد قدم السلام على المجرور فقال والسلام عليكم وأتى باللام لتفيد تجديد سلام آخر والله تعالى أعلم وهذه فصاحة غريبة وحكمة سلفية موروثة عن سلف الأمة وعن الصحابة في مكاتباتهم وهكذا كانوا يكتبون إلى نبيهم صلوات الله وسلامه عليه وقد فرغنا من جواب السؤال التاسع المتعلق بواو العطف.
فصل:
وأما السؤال العاشر: وهو السر في نصب سلام ضيف إبراهيم الملائكة ورفع سلامه فالجواب: أنك قد عرفت قول النحاة فيه أن سلام الملائكة تضمن جملة فعلية لأن نصب السلام يدل على سلمنا عليك سلاما وسلام إبراهيم تضمن جملة اسمية لأن رفعه يدل على أن المعنى سلام عليكم والجملة الاسمية تدل على الثبوت والتقرر والفعلية تدل على الحدوث والتجدد فكان سلامه عليهم أكمل من سلامهم عليه وكان له من مقامات الرد ما يليق بمنصبه صلى الله عليه وسلم وهو مقام الفضل إذ حياهم بأحسن من تحيتهم هذا تقرير ما قالوه