كيف خص هذه المواطن بالسلام لشدة الحاجة إلى السلامة فيها واعرف قدر القرآن وما تضمنه من الأسرار وكنوز العلم والمعارف التي عجزت عقول الخلائق عن إحصاء عشر معشارها وتأمل ما في السلام مع الزيادة على السلامة من الأنس وذهاب الوحشة ثم نزل ذلك على الوحشة الحاصلة للعبد في هذه المواطن الثلاثة عند خروجه إلى عالم الإبتلاء وعند معاينته هول المطلع إذا قدم على الله وحيدا مجردا عن كل مؤنس إلا ما قدمه من صالح عمل وعند موافاته القيامة مع الجمع الأعظم ليصير إلى إحدى الدارين التي خلق لها واستعمل بعمل أهلها فأي موطن أحق بطلب السلامة من هذه المواطن فنسأل الله السلامة فيها بمنه وكرمه ولطفه وجوده وإحسانه.
فصل:
وأما السؤال السادس عشر: وهو ما الحكمة في تسليم النبي صلى الله عليه وسلم على من اتبع الهدى في كتابه إلى هرقل بلفظ النكرة وتسليم موسى عليهم بلفظ المعرفة فالجواب عنه أن تسليم النبي صلى الله عليه وسلم تسليم ابتدائي ولهذا صدر به الكتاب حيث قال من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى ففي تنكيره ما في تنكير سلام من الحكمة وقد تقدم بيانها وأما قول موسى والسلام على من اتبع الهدى فليس بسلام تحية فإنه لم يبتدئ به فرعون بل هو خبر محض فإن من اتبع الهدى له السلام المطلق دون من خالفه فإنه قال له: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} أفلا ترى أن هذا ليس بتحية في ابتداء الكلام ولا خاتمته وإنما وقع متوسطا بين الكلامين إخبارا محضا عن وقوع السلامة وحلولها على من اتبع الهدي ففيه استدعاء لفرعون وترغيب له بما جبلت النفوس على حبه