للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه السلام" صحيح وبالجملة فهذا الخيال قد أبطلته السنة الصحيحة تشريع السلام على الأحياء والأموات وهنا نكتة بديعة ينبغي التفطن لها وهي أن السلام شرع على الأحياء والأموات بتقديم اسمه على المسلم عليهم لأنه دعاء بخير والأحسن في دعاء الخير أن يتقدم الدعاء به على المدعو له كقوله تعالى: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} وقوله: {سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} {سَلامٌ عَلَى نُوحٍ} {سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} وأما الدعاء بالشر فيقدم فيه المدعو عليه المدعو به غالبا كقوله تعالى لإبليس: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي} وقوله: {وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ} وقوله: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} وقوله: {وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} وسر ذلك والله أعلم أن في الدعاء بالخير قدموا اسم الدعاء المحبوب الذي تشتهيه النفوس وتطلبه ويلذ للسمع لفظه فيبدأ السمع بذكر الاسم المحبوب المطلوب ويبدأ القلب بتصوره فيفتح له القلب والسمع فيبقى السامع كالمنتظر لمن يحصل هذا وعلى من يحل فيأتي باسمه فيقول عليك أو لك فيحصل له من السرور والفرح ما يبعث على التحاب والتواد والتراحم الذي هو المقصود بالسلام وأما في الدعاء عليه ففي تقديم المدعو عليه إيذان باختصاصه بذلك الدعاء وأنه عليه وحده كأنه قيل له هذا عليك وحده لا يشركك فيه السامعون بخلاف الدعاء بالخير فإن المطلوب عمومه وكل ما عم به الداعي كان أفضل وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: "فضل عموم الدعاء على خصوصه كفضل السماء على الأرض" وذكر في ذلك حديثا مرفوعا عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم: مر به وهو يدعو فقال "يا علي عم فإن فضل العموم على الخصوص كفضل السماء على الأرض" وفيه فائدة ثانية أيضا وهي: أنه في الدعاء عليه إذا قال له عليك انفتح سمعه وتشوف قلبه إلى أي شيء يكون عليه فإذا ذكر له اسم المدعو به صادف قلبه فارغا متشوفا لمعرفته فكان أبلغ في نكايته ومن فهم هذا فهم السر في حذف الواو في قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} ففاجأهم وبغتهم عذابها وما أعد الله تعالى فيها فهم بمنزلة من وقف على باب

<<  <  ج: ص:  >  >>