نفس دعوته فلو اقتصر عليها كانت آية وبرهانا على صدقه وأنه لا يحتاج معها إلى خارق ولا آية منفصلة بل دينه وشريعته ودعوته وسيرته من أعظم معجزاته عند الخاصة من أمته حتى أن إيمانهم به إنما هو مستند إلى ذلك والآيات في حقهم مقويات بمنزلة تظاهر الأدلة ومن فهم هذا انفتح له باب عظيم من أبواب العلم والإيمان بل باب من أبواب الجنة العاجلة يرقص القلب فيه طربا ويتمنى أنه له بالدنيا وما فيها وعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيساعد على تعليق كتاب يتضمن ذكر بعض محاسن الشريعة وما فيها من الحكم البالغة والأسرار الباهرة التي هي من أكبر الشواهد على كمال علم الرب تعالى وحكمته ورحمته وبره بعباده ولطفه بهم وما اشتملت عليه من بيان مصالح الدارين والإرشاد إليها وبيان مفاسد الدارين والنهي عنها وأنه سبحانه لم يرحمهم في الدنيا برحمة ولم يحسن إليهم إحسانا أعظم من إحسانه إليهم بهذا الدين القيم وهذه الشريعة الكاملة ولهذا لم يذكر في القرآن لفظة المن عليهم إلا في سياق ذكرها كقوله:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} وقوله: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فهي محض الإحسان إليهم والرأفة بهم وهدايتهم إلى ما به صلاحهم في الدنيا والآخرة لا أنها محض التكليف والامتحان الخالي عن العواقب الحميدة والغايات التي لا سبيل إليها إلا بهذه الوسيلة فهي لغاياتها المجربة المطلوبة بمنزلة الأكل للشبع والشرب للري والجماع لطلب الولد وغير ذلك من الأسباب التي ربطت بها مسبباتها بمقتضى الحكمة والعزة فلذلك نصب هذا الصراط المستقيم وسيلة وطريقا إلى الفوز الأكبر والسعادة ولا سبيل إلى الوصول إليه إلا من هذه الطريق كما لا سبيل إلى دخول الجنة إلا بالعبور على الصراط فالشريعة هي حياة القلوب وبهجة النفوس ولذة الأرواح والمشقة الحاصلة فيها