للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

نفس الاستعاذة والثانية: المستعاذ به والثالثة: المستعاذ منه فبمعرفة ذلك تعرف شدة الحاجة والضرورة إلى هاتين السورتين فلنعقد لهما ثلاثة فصول الفصل الأول: في الاستعاذة والثاني: في المستعاذ به والثالث: في المستعاذ منه.

الفصل الأول:

اعلم أن لفظ عاذ وما تصرف منها يدل على التحرز والتحصن والنجاة وحقيقة معناها الهروب من شيء تخافه إلى من يعصمك منه ولهذا يسمى المستعاذ به معاذا كما يسمى ملجأ ووزرا وفي الحديث: "أن ابنة الجون لما أدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها قالت: أعوذ بالله منك فقال لها: قد عذت بمعاذ الحقي بأهلك" رواه البخاري فمعنى أعوذ ألتجئ وأعتصم وأتحرز وفي أصله قولان أحدهما: أنه مأخوذ من الستر والثاني: أنه مأخوذ من لزوم المجاورة فأما من قال: إنه من الستر قال: العرب تقول للبيت الذي في أصل الشجرة التي قد استتر بها عوذ بضم العين وتشديد الواو وفتحها فكأنه لما عاذ بالشجرة واستتر بأصلها وظلها سموه عوذا فكذلك العائد قد استتر من عدوه بمن استعاذ به منه واستجن به منه ومن قال: هو لزوم المجاورة قال العرب تقول للحم إذا لصق بالعظم فلم يتخلص منه عوذ لأنه اعتصم به واستمسك به فكذلك العائذ قد استمسك بالمستعاذ به واعتصم به ولزمه والقولان حق والاستعاذة تنتظمهما معا فإن المستعيذ مستتر بمعاذه متمسك به معتصم به قد استمسك قلبه به ولزمه كما يلزم الولد أباه إذا أشهر عليه عدوه سيفا وقصده به فهرب منه فعرض له أبوه في طريق هربه فإنه يلقي نفسه عليه ويستمسك به أعظم استمساك فكذلك العائذ قد هرب من عدوه الذي يبغي هلاكه إلى ربه ومالكه وفر إليه وألقى نفسه بين يديه واعتصم به واستجار به والتجأ إليه وبعد فمعنى الاستعاذة القائم بقلبه وراء هذه العبارات وإنما هي تمثيل وإشارة وتفهيم وإلا فما يقوم بالقلب حينئذ من

<<  <  ج: ص:  >  >>