للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

يؤذه بيده ولا لسانه فإن الله تعالى قال: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} فحقق الشر منه عند صدور الحسد والقرآن ليس فيه لفظة مهملة ومعلوم أن الحاسد لا يسمى حاسدا إلا إذا قام به الحسد كالضارب والشاتم والقاتل ونحو ذلك ولكن قد يكون الرجل في طبعه الحسد وهو غافل عن المحسود لاه عنه فإن خطر على ذكره وقلبه انبعثت نار الحسد من قلبه إليه ووجهت إليه سهام الحسد من قبله فيتأذى المحسود بمجرد ذلك فإن لم يستعذ بالله ويتحصن به ويكون له أوراد من الأذكار والدعوات والتوجه إلى الله والإقبال عليه بحيث يدفع عنه من شره بمقدار توجهه وإقباله على الله وإلا ناله شر الحاسد ولا بد فقوله تعالى: {إِذَا حَسَدَ} بيان لأن شره إنما يتحقق إذا حصل منه الحسد بالفعل تأثير العين وقد تقدم في حديث أبي سعيد الخدري الصحيح رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم وفيها: "بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك" فهذا فيه الاستعاذة من شر عين الحاسد ومعلوم أن عينه لا تؤثر بمجردها إذ لو نظر إليه نظر لاه ساه عنه كما ينظر إلى الأرض والجبل وغيره لم يؤثر فيه شيئا وإنما إذا نظر إليه نظر من قد تكيفت نفسه الخبيثة واتسمت واحتدت فصارت نفسا غضبية خبيثة حاسدة أثرت بها تلك النظرة فأثرت في المحسود تأثيرا بحسب صفة ضعفه وقوة نفس الحاسد فربما أعطيه وأهلكه بمنزلة من فوق سهما نحو رجل عريان فأصاب منه مقتلا وربما صرعه وأمرضه والتجارب عند الخاصة والعامة بهذا أكثر من أن تذكر وهذه العين إنما تأثيرها بواسطة النفس الخبيثة وهي في ذلك بمنزلة الحية التي إنما يؤثر سمها إذا عضت واحتدت فإنها تتكيف بكيفية الغضب والخبث فتحدث فيها تلك الكيفية السم فتؤثر في الملسوع وربما قويت تلك الكيفية واشتدت في نوع منها حتى تؤثر بمجرد نظرة فتطمس البصر وتسقط الحبل كما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الأبتر وذي الطفيتين منها: وقال:"اقتلوهما فإنهما يطمسان البصر ويسقطان الحبل" رواه البخاري ومسلم فإذا كان هذا في الحيات فما الظن في النفوس الشريرة الغضبية الحاسدة إذا تكيفت بكيفيتها الغضبية واتسمت وتوجهت

<<  <  ج: ص:  >  >>