القرآن الكريم يحتج عليهم بإقرارهم بهذا التوحيد على ما أنكروه من توحيد الإلهية والعبادة وإذا كان وحده هو ربنا ومالكنا وإلهنا فلا مفزع لنا في الشدائد سواه ولا ملجأ لنا منه إلا إليه ولا معبود لنا غيره فلا ينبغي أن يدعي ولا يخاف ولا يرجى ولا يحب سواه ولا يذل لغيره ولا يخضع لسواه ولا يتوكل إلا عليه لأن من ترجوه وتخافه وتدعوه وتتوكل عليه إما أن يكون مربيك والقيم بأمورك ومولي شأنك وهو ربك فلا رب سواه أو تكون مملوكه وعبده الحق فهو ملك الناس حقا وكلهم عبيده ومماليكه أو يكون معبودك وإلهك الذي لا تستغني عنه طرفة عين بل حاجتك إليه أعظم من حاجتك إلى حياتك وروحك وهو الإله الحق إله الناس الذي لا إله لهم سواه فمن كان ربهم وملكهم وإلههم فهم جديرون أن لا يستعيذوا بغيره ولا يستنصروا بسواه ولا يلجئوا إلى غير حماة فهو كافيهم وحسبهم وناصرهم ووليهم ومتولي أمورهم جميعا بربوبيته وملكه وإلهيته لهم فكيف لا يلتجئ العبد عند النوازل ونزول عدوه به إلى ربه ومالكه وإلهه فظهرت مناسبة هذه الإضافات الثلاث للاستعاذة من أعدى الأعداء وأعظمهم عداوة وأشدهم ضررا وأبلغهم كيدا ثم إنه سبحانه كرر الاسم الظاهر ولم يوقع المضمر موقعه فيقول رب الناس وملكهم وإلههم تحقيقا لهذا المعنى وتقوية له فأعاد ذكرهم عند كل اسم من أسمائه ولم يعطف بالواو لما فيهم من الإيذان بالمغايرة والمقصود الاستعاذة بمجموع هذه الصفات حتى كأنها صفة واحدة وقدم الربوبية لعمومها وشمولها لكل مربوب وأخر الإلهية لخصوصها لأنه سبحانه إنما هو إله من عبده ووحده واتخذه دون غيره إلها فمن لم يعبده ويوحده فليس بإلهه وإن كان في الحقيقة لا إله له سواه ولكن ترك إلهه الحق واتخذ إلها غيره ووسط صفة الملك بين الربوبية والإلهية لأن الملك هو المتصرف بقوله وأمره فهو المطاع إذا أمر وملكه لهم تابع لخلقه إياهم فملكه من كمال ربوبيته وكونه إلههم الحق من كمال ملكه فربوبيته تستلزم ملكه وتقتضيه وملكه يستلزم إلهيته ويقتضيها