بها إذ لولاها لزم أحد باطلين إما الترجيح بمجرد الاختيار والشهوة وهو باطل في تصرفات الشارع وإما التعطيل ووقف الأعيان وفي ذلك تعطيل الحقوق وتضرر المكلفين بما لا تأتي به الشريعة الكاملة بل ولا السياسة العادلة فإن الضرر الذي في تعطيل الحقوق أعظم من الضرر المقدر في القرعة بكثير ومحال أن تجيء الشريعة بالتزام أعظم الضرر لدفع أدناهما.
وإذا عرف هذا فالحق إذا كان لواحد غير معين فإن القرعة تعينه فيسعد الله بها من يشاء ويكون تعيين القرعة له هو غاية ما يقدر عليه المكلف فالتعيين بها تعيين لتعلق حكم لما عينته فهي دليل من أدلة الشرع واجب العمل به وإن كان نفس الأمر بخلافه كالبينة والإقرار والنكول فإنها أدلة منصوبة من الشارع لفصل النزاع وإن كانت غير مطابقة لمتعلقها في بعض الصور فلهذا نصّب الشارع القرعة معينة للمستحق قاطعة للنزاع، وإن تعلقت بغير صاحب الحق في نفس الأمر فإن جماعة المستحقين إذا استووا في سبب الاستحقاق لم تكن القرعة ناقله لحق أحدهم ولا مبطلة له بل لما لم يمكن تعميمهم كلهم ولا حرمانهم كلهم وليس أحدهم أولى بالتعيين من الآخرين جعلت القرعة فاصلة بينهم معينة لأحدهم فكأن المقرع يقول: اللهم قد ضاق الحق عن الجميع وهم عبيدك فخص بها من تشاء منهم به ثم تلقى فيسعد الله بها من يشاء ويحكم بها على من يشاء وهذا سر القرعة في الشرع وبهذا علم بطلان قول من شبهها بالقمار الذي هو ظلم وجور وكيف يلحق غاية الممكن من العدل والمصلحة بالظلم والجور هذا من أفسد القياس وأظهره بطلانا وهو كقياس البيع على الربا فإن الشريعة فرقت بين القرعة والقمار كما فرقت بين الربا والبيع فأحل الله البيع وحرم الربا وأحل الشارع القرعة وحرم القمار وقد قال تعالى {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} وقال تعالى -إخبارا عن ذي النور-: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} .
وقد احتج الأئمة بشرع من قبلنا جاء ذلك منصوصا عنهم في مواضع وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن