للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

مع اختصاره قد تضمن المنع والمعارضة: أما المنع: مما تضمنه حرف بل من الإضراب أي ليس الأمر كما قالوا. وأما المعارضة: ففي قوله: {مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} أي أتتبع أو يتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وفي ضمن هذه المعارضة إقامة الحجة على أنها أولى بالصواب مما دعوتم إليه من اليهودية والنصرانية لأنه وصف صاحب الملة بأنه حنيف غير مشرك ومن كانت ملته الحنيفية والتوحيد فهو أولى بأن يتبع ممن ملته اليهودية والنصرانية فإن الحنيفية والتوحيد هي دين جميع الأنبياء الذي لا يقبل الله من أحد دينا وسواه وهو الفطرة التي فطر عليها عباده فمن كان عليها فهو المهتدي لأن من كان يهوديا أو نصرانيا فإن الحنيفية تتضمن الإقبال على الله بالعبادة والإجلال والتعظيم والمحبة والذل.

والتوحيد يتضمن إفراده بهذا الإقبال دون غيره فيعبد وحده ويحب وحده ويطاع وحده ولا يجعل معه إلها آخر فمن أولى بالهداية صاحب هذه الملة أو ملة اليهودية والنصرانية ولا يبقى بعد هذا للخصوم إلا سؤال واحد وهو أن يقولوا فنحن على ملته أيضا لم نخرج عنها وإبراهيم وبنوه كانوا هودا أو نصارى فأجيبوا عن هذا السؤال بأنهم كاذبون فيه وأن الله تعالى قد علم أنه لم يكن يهوديا ولا نصرانيا فقال تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى} الآية وقرر تعالى هذا الجواب في سورة آل عمران بقوله: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً} إلى قوله: {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} فإن قالوا فهب أن إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا فنحن على ملته وإن انتحلنا هذا الاسم فأجيبوا عن هذا بقوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} إلى قوله: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} فهذه للمؤمنين قال: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} وإن أتوا من الإيمان بمثل ما أتيتم به فهم على ملة إبراهيم وهم مهتدون وإن لم يأتوا بإيمان مثل إيمانكم فليسوا من إبراهيم وملته في شيء وإنما هم في شقاق وعداوة فإن ملة إبراهيم الإيمان بالله وكتبه ورسله وأن لا يفرق بين أحد منهم فيؤمن ببعضهم ويكفر ببعضهم فمن لم يأت بمثل هذا الإيمان فهو بريء من ملة إبراهيم مشاق لمن هو على ملته.

وقوله تعالى: {قُلْ أَأَنْتُمْ أعلم أَمِ اللَّهُ}

<<  <  ج: ص:  >  >>