للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

صالح (١) فأقام بها مدّة، ولم يتهّيأ له مدح ابن صالح ولا الاجتماع به، فقفل عن حلب، فلمّا سار عنها أخبر ابن صالح به، فأنفذ من ردّه، وتقدّم إلى القاصد أن يستعلم ما عنده من حمد أو ذمّ، فلّما لحقه القاصد سأله عن صناعته، قال: أقول الشّعر والأدب. فقال له: لم لا مدحت الأمير مع محبّته للأدب؟ قال: لم أجد لي عنده وجها. قال: فهلاّ هجوته؟ قال: لم يسىء فأذمّه، ولا أحسن فأشكره، وإنّما أنا صاحب سلعة إن نفقت عنده وإلا نفقت عند غيره. ثم أعاده واجتمع بابن صالح، ومدحه بقصيدة أثابه عليها ألف دينار (٢)، وأقطعه أقطاعا تغلّ في كلّ سنة جملة، وأقام في خدمته، ثم درات دوائر الدّهر، وتقلّبت صروف الزّمان، وانقرض ملك آل صالح (٣).

وملك حلب شرف الدّولة (٤)، وطلب ابن حيّوس الحضور بين يديه وامتداحه، فقيل لشرف الدولة: هذا لا ينشد شعره إلا وهو جالس، والأمير ملك عن كثب، ولا بدّ من إقامة الحرمة. قال: فما الحيلة؟ قال: يفرش


٤ - مدح أمراء الفاطميين معرضا بخصومهم، نائلا منهم وبخاصة من آل مرداس، والعباسيين، ولمّا اخّتل أمرهم رحل إلى حلب سنة ٤٦٤ هـ‍ وانقطع إلى بني مرداس فمدحهم بعد الاعتذار، وعاش في كنفهم إلى أن مات سنة ٤٧٣ هـ‍ الأعلام، وانظر وفيات الأعيان ٤/ ٤٣٨، والوافي بالوفيات ٣/ ١١٨. وسير أعلام النبلاء ١٨/ ٤١٣، ومقدمة الديوان.
(١) وهو محمود بن نصر بن صالح المرداسي كان شجاعا حازما توفي سنة ٤٦٧ هـ‍.
(٢) وهذه القصيدة اعتذار ومدح مطلعها:
قفوا في القلى حيث انتهيتم تذمّما ... ولا تقتفوا من جار لمّا تحكّما
(٣) وهم بنو مرداس، وكان ابن حيّوس قد عاش في ظل محمود وابنه نصر بن محمود وأخيه سابق بن محمود. وله مدائح فيهم، وكان انقراض دولتهم سنة (٤٧٣).
(٤) شرف الدولة، مسلم بن قريش بن بدران العقيلي، كان صاحب الموصل وربيعة ومضر استولى على قلعة حلب، وأخذ الجزية من بلاد الروم، رام الاستيلاء على بغداد بعد طغرلبك، فقتل في المعركة بأرض أنطاكية سنة ٤٧٨ هـ‍، كان شجاعا جوادا نافذ السلطان، عمّ بلاده الأمن في أيامه. الأعلام.

<<  <   >  >>