للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

للأمير بساط (١) لا يفضل عنه، وإذا حضر ولم ير له ما يجلس عليه ينشد قائما.

فلما حضر ابن حيّوس ورأى ذلك علم أنّه قد عمل لأجله، فوقف قائما وأنشد (٢):

ما أدرك العزمات مثل مصمّم ... إن أحجمت أعداؤه لم يحجم

فلما بلغ إلى قوله:

أنت الذي نفق الثّناء بسوقه ... وجرى النّدى بعروقه قبل الدّم

اهتزّ شرف الدولة، وحرّكته الأريحيّة العربية، فأوسع له في البساط، وأجلسه إلى جانبه، وتمم إنشاده القصيدة، ثمّ سأل شرف الدّولة عمّا أعطاه ابن صالح، فقيل له: ألف دينار. فقال: ابن صالح مع بخله يعطيه ألف دينار! أعطوه ألفي دينار. وضاعف أقطاعه، وأقام في خدمته، ثم توفّي ابن حيّوس وخلّف مالا كثيرا ولم يكن له وارث. فأشار بعض أصحاب شرف الدّولة عليه بحمله إلى خزانته، فقال له: يا ويلك، أتشير عليّ أن أعمد إلى مال قد سمحت به أكفّ الكرم، وجمع من فضلات عطاياهم، فأحمله إلى خزانتي، اغرب عنّي، لا حاجة لي في خدمتك. ثمّ أمر بحرز المال فبقي مدّة محروزا، ثمّ بلغ شرف الدّولة أنّ له ببلد الجزيرة بنت بنت أخت (٣) وهي غير مستحقّة للميراث، فأمر بدفع المال إليها.


(١) في الأصل: بساطا.
(٢) الديوان ٢/ ٥٦٩. وقد قالها لمّا فتح شرف الدولة حلب في سنة (٤٧٣). قال الأستاذ خليل مردم بك محقق الديوان: لعلّ هذه القصيدة آخر ما قال ابن حيّوس من الشعر، وهي من أجود شعره. ورواية البيت في الديوان:
ما أدرك الطلبات مثل مصمم ... إن أقدمت أعداؤه لم يحجم
(٣) جاء في «زبدة الحلب من تاريخ حلب» ٢/ ٧٤: فوجدوا له من ذوي الأرحام بنت أخ، فأعطاها ماله جميعه، وهي بنت أخيه أبي المكارم محمد بن سلطان بن حيّوس.

<<  <   >  >>