والكذب [والبر] والفجور، والسجود للأصنام والشمس والقمر والسجود له، ولم يكلف أحداً ما يقدر عليه بل كل تكليفه [تكليف] ما لا يطاق ولا قدرة للمكلف عليه البتة، ويجوز أن يعذب رجالاً إذ لم يكونوا نساءً ويعذب نساءً إذ لم يكونوا رجالاً وسوداً حيث لم يكونوا بيضاً وبيضاً حيث لم يكونوا سوداً، ويجوز أن يظهر المعجزة على أيدى الكذابين ويرسل رسولاً يدعو إلى الباطل وعبادة الأوثان، ويأمر بقتل النفوس وأنواع الفجور. ولا ريب أن هذا يرفع الشرائع والأمر والنهى بالكلية، ولولا تناقض القائلين به لكانوا منسلخين من دين الرسل [صلوات الله وسلامه عليه] ولكن مشى الحال بعض المشى بتناقضهم وهو خير لهم من طرد أصولهم والقول بموجبها.
والمقصود أنه لم يؤمن بالقضاء والقدر والحكمة والأمر والنهى والوعد والوعيد حقيقة [الإيمان] إلا أتباع الرسل وورثتهم، والقضاءُ والقدر منشؤُه عن علم الرب وقدرته، ولهذا قال الإمام أحمد: القدر قدرة الله، واستحسن ابن عقيل هذا الكلام من أحمد غاية الاستحسان وقال: إنه شفى بهذه الكلمة وأفصح بها عن حقيقة القدر
المنكرون للقدر فرقتين: فرقة كذبت بالعلم السابق ونفته، وهم غلاتهم الذين كفرهم السلف والأئمة وتبرأ منهم الصحابة. وفرقة جحدت كمال القدرة وأنكرت أن تكون أفعال العباد مقدورة لله تعالى وصرحت بأن الله لا يقدر عليها، فأنكر هؤلاء كمال قدرة الرب، وأنكرت الأخرى كمال علمه، وقابلتهم الجبرية فجاءت على إثبات [القدرة] والعلم وأنكرت الحكمة والرحمة، ولهذا كان مصدر الخلق والأمر والقضاءِ والشرع عن علم الرب وعزته وحكمته، ولهذا يقرن تعالى بين الاسمين [والصفتين] من هذه الثلاثة كثيراً كقوله: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنَ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}[النمل:٦] ، وقال:{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِن الله الْعَزِيز}[الحكيم][الزمر: ١] ، وقال:{حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ الله الْعَزِيزِ العَلٍيمِ}[غافر: ١-٢] وقال: فى حم فصلت بعد ذكر تخليق العالم: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[فصلت: ١٢]
وذكر نظير هذا [فى الأنعام] فقال: {فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ الْلّيْلَ سَكَناً وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[الأنعام: ٩٦] .
فارتباط الخلق بقدرته التامة يقتضى أن لا يخرج موجود عن قدرته، وارتباطه بعلمه