للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فحقيقة نفس الإنسان جاهلة ظالمة فقيرة محتاجة، والشر الذى يحصل لها نوعان: عدم، ووجود. فالأول كعدم العلم والإيمان والصبر وإرادة الخيرات وعدم العمل بها، وهذا العدم ليس له فاعل إذ العدم المحض لا يكون له فاعل، لأن تأثير الفاعل إنما هو فى أمر وجودى، وكذلك عدم استعدادها للخيرات والكمالات هو عدم محض ليس له فاعل، فإن العدم ليس بشئ أصلاً، وما ليس بشيء لا يقال إنه مفعول لفاعل، فلا يقال إنه من الله، إنما يحتاج إلى الفاعل الأمور الوجودية، ولهذا من قول المسلمين كلهم: "ما شاءَ الله كان، وما لم يشأ لم يكن" فكل كائن فبمشيئته كان وما لم يكن فلعدم مشيئته. والعدم يعلل بعدم السبب أو الشرط تارة، وبوجود المانع أخرى. وقد يقال علة العدم عدم العلة. وبعض الناس يقول: الممكن لا يترجح أحد طرفيه إلا بمرجح، فلا يوجد إلا بسبب، ولا يعدم إلا بسبب قال: والتحقيق فى هذا أن العدم ليس له فاعل ولا علة فاعلة أصلاً [بل] ، إذا أضيف إلى عدم السبب أو عدم الشرط فمعناه الملازمة، أى عدم العلة استلزم عدم المعلول وعدم الشرط استلزم عدم المشروط. فإذا قيل: عدم لعدم [عليه أى عدم عليه] مستلزمة لعدمه، والنفس تطلب سبب العدم، فتقول: لما لم يوجد كذا؟ فيقال: لعدم كذا، فيضاف عدم المعلوم إلى عدم علته، لا إضافة تأثير ولكن إضافة استلزام وتعريف، وأما التعليل بالمانع فلا يكون إلا مع قيام السبب إذا جعل المانع مقتضياً للعدم، وأما إذا أريد قياس الدلالة فوجود المانع يستلزم عدم الحكم سواءٌ كان المقتضى موجوداً أو لم يكن.

والمقصود أن ما عدمته النفس من كمالها فمنها فإنها لا تقتضى إلا [العدم] ، أى عدم استعداد نفسها وقوتها هو السبب فى عدم هذا الكمال، فإنه كما يكون أحد الوجودين سبباً للآخر فكذلك أَحد العدمين يكون سبباً لعدم الآخر، والموجود الحادث يضاف إلى السبب المقتضى لإيجاده وأما المعدوم فلا يحتاج استمراره على العدم إلى فاعل يحدث العدم، بل يكفى فى استمراره عدم مشيئة الفاعل المختار له، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، لانتفاءٍ مشيئته، فانتقاء مشيئة كونه سبب عدمه، وهذا معنى قولهم: عدم علة الوجود علة العدم، وبهذا الاعتبار الممكن القابل للوجود والعدم لا يترجح أحد

<<  <   >  >>