للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإِن أَحد الموجودين قد يكون مشروطاً بالآخر فيستحيل وجوده بدونه، لأَن عدم الشرط يستلزم عدم المشروط، فإذا عدمت النفس هذا الكمال المستلزم لكمال آخر مثله أَو أَعلى منه وهى- موصوفة بالنقص الذى هو الظلم والجهل ولوازمها من أَصل الخلقة- صارت متسلزمة للشر، وقوة شرها وضعفه بحسب قوتها وضعفها فى ذاتها. وتأَمل أَول نقص دخل على أَبى البشر وسرى إِلَى أَولاده كيف كان من عدم العلم والعزم. قال تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىَءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طه: ١١٥] والنسيان سواءٌ كان عدم العلم أَو عدم الصبر كما فسر بهما [هاهنا] فهو أَمر عدمى، ولهذا قال آدم لما رأَى ما دخل عليه من ذلك: {رَبّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: ٢٣] ، فإِنه إذا اعترف خص نفسه- بما حصل لها من عدم العلم والصبر- بالنسيان الذى أَوجب فوات حظه من الجنة، ثم قال: {وَإِن لّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: ٢٣] ، فإِنه سبحانه لم يغفر السيئات الوجودية فيمنع أَثرها وعقابها [ونقى] العبد من ذلك وإلا ضرته آثارها ولا بد، [كآثار] الطعام المسموم إِن لم يتداركه المداوى بشرب الترياق ونحوه وإلا ضره ولا بد، وإِن لم يرحمه سبحانه بإِيجاد ما به يصلح النفس وتصير عالمة [بالحق عاملة به] وإِلا خسر.

، والمغفرة تمنع الشر، والرحمة توجب الخير، والرب سبحانه إن لم يغفر للإِنسان فيقيه السيئات ويرحمه فيؤتيه الحسنات وإِلا هلك ولا بد، إذ كان ظالماً لنفسه ظلوماً بنفسه، فإِن نفسه ليس عندها خير يحصل لها منها، وهى متحركة بالذات فإِن لم تتحرك إلى الخير تحركت إلى الشر فضرت صاحبها، وكونها متحركة بالذات من لوازم كونها نفساً لأَن ما ليس حساساً متحركاً بالإِرادة فليس نفساً، [فى] الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم "أَصْدَقُ الأَسْمَاءِ حَارِثٌ وَهَمَّام"، فالحارث الكاسب العامل، والهمام الكثير الهم والهم مبدأُ [الإرادة فالنفس لا تكون إلا مريدة عاملة، فإن لم توفق] [للإرادة] الصالحة وإلا وقعت فى الإِرادة الفاسدة والعمل الضار، وقد قال تعالى: {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلا الْمُصَلِّينَ} [المعارج: ١٩- ٢٢] ، فأَخبر [تعالى] أَن الإنسان خلق على هذه الصفة، وإن من كان على غيرها فلأَجل ما زكاه الله به من فضله وإِحسانه.

<<  <   >  >>