وجود الشعور بدون حب ولا بغض ولا إِرادة ممتنع كوجود إرادة بدون الشعور، وأما القدرة والقوة إذا قدر وجودها بدون إرادة فهى كقوة الجماد، فإن القوة الطبيعية التى هى مبدأُ الفعل والحركة [لا إِرادة لها] وقد قال بعض الناس: إِن [للجماد] شعوراً يليق به واحتج بقوله تعالى: {وَإِنّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ وَإِنّ مِنْهَا لَمَا يَشّقّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَآءُ وَإِنّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ}[البقرة: ٧٤] ، وبقوله تعالى:{فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضّ}[الكهف: ٧٧] وهذه المسألة كبيرة تحتاج إلى كلام يليق بهذا الموضع. والمقصود أَن العلم والقدرة المجردين عن الحكمة لا يحصل بهما الكمال والصلاح وإِنما [يحصل] ذلك بالحكمة معها، واسمه سبحانه "الحكيم" يتضمن حكمته فى خلقه وأَمره فى إِرادته الدينية الكونية وهو حكيم فى كل ما خلقه وأَمر به.
والناس فى هذا المقام أَربع طوائف: الطائفة الأُولى الجاحدة لقدرته وحكمته فلا يثبتون له [تعالى] قدرة ولا حكمة، كما يقوله من ينفى كونه تعالى فاعلاً مختاراً وأَن صدور العالم عنه بالإِيجاب الذاتى لا بالقدرة والاختيار وهؤلاء يثبتون حكمة يسمونها عناية إلهية، وهم من أشد الناس تناقضاً، إِذ لا يعقل حكيم لا قدرة له ولا اختيار، وإِنما يسمون ما فى العالم من المصالح والمنافع عناية إلهية من غير أَن يرجع منها إِلى الرب [تعالى] إِرادة ولا حكمة وهؤلاءِ كما أَنهم مكذبون لجميع الرسل فإِنهم مخالفون لصريح العقل والفطرة، قد نسبوا الرب [تعالى] إِلى أَعظم النقص، وجعلوا كل قادر مريد مختار أَكمل منه وإِن كان من كان، بل سلبهم القدرة والاختيار والفعل عن رب العالمين شر من شرك عباد الأَصنام به بكثير، وشر من قول النصارى أَنه- تعالى عن قولهم- ثالث ثلاثة وأَن له صاحبة وولداً، فإِن هؤلاءِ أَثبتوا له قدرة وإِرادة واختياراً وحكمة، ووصفوه مع ذلك بما لا يليق به. وَأَما أُولئك فنفوا ربوبيته وقدرته بالكلية وأَثبتوا له أَسماءَ لا حقائق لها ولا معنى.
والطائفة الثانية أقرت بقدرته وعموم مشيئته للكائنات وجحدت حكمته