المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم، موصوف بصفة الكمال مذكور بنعوت الجلال منزه عن الشبيه والمثال ومنزه عما يضاد صفات كماله: فمنزه عن الموت المضاد للحياة، وعن السنة والنوم والسهو والغفلة المضاد للقيومية، وموصوف بالعلم منزه عن أضداده كلها من النسيان والذهول وعزوب شيء عن علمه، موةصوف بالقدرة التامة منزه عن ضدها من العجز واللغوب والإعياء، موصوف بالعدل منزه عن الظلم، موصوف بالحكمة منزه عن العبث، موصوف بالسمع والبصر منزه عن أضدادهما من الصمم والبكم، موصوف بالعلو والفوقية منزه عن أضداد ذلك، موصوف بالغنى التام منزه عما يضاده بوجه من الوجوه، ومستحق للحمد لكه فيستحيل أن يكون غير محمود كما يستحيل أن يكون غير قادر ولا خالق ولا حي، وله الحمد كله واجب لذاته فلا يكون إلا محموةدا كما لا يكون إلا إلها وربا وقادرا
فإذا قيل:"الحمد كله لله" فهذا له معنيان: أحدهما أَنه محمود على كل شيء [وبكل ما يحمد به المحمود التام وإن كان بعض خلقه يحمد أيضاً كما] يحمد رسله وأنبياؤه وأَتباعهم- فذلك من حمده تبارك وتعالى بل هو المحمود بالقصد الأَول [وبالذت وما نالوه من الحمد فإنما نالوه بحمده] فهو المحمود أَولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وهذا كما أَنه بكل شيء عليم، وقد علم غيره من علمه ما لم يكن يعلمه بدون تعليمه، وفى الدعاء المأْثور:"اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُهُ، ولَكَ الْمُلْكُ كُلُّهُ، وَبِيَدِكِ الْخَيْرُ كُلُّهُ، وَإِلَيْكَ يَرْجِعُ الأَمْرُ كُلُّهُ، أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كله وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ"، وهو سبحانه له الملك وقد آتى من الملك بعض خلقه، وله الحمد وقد آتى غيره من الحمد ما شاءَ. وكما أن ملك المخلوق داخل فى ملكه، فحمده أَيضاً داخل فى حمده، فما من محمود يحمد على شيء مما دق أَو جل إِلا والله المحمود عليه بالذات [والأَولوية] أَيضاً، وإِذا قال [الحامد] : "اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْد"، فالمراد به أَنت المستحق لكل حمد، ليس المراد به الحمد الخارجى فقط.
المعنى الثانى أَن يقال:"لَكَ الْحَمْد كلُّه" أى الحمد التام الكامل فهذا مختص بالله عز وجل ليس لغيره فيه شركة. والتحقيق أَن له الحمد بالمعنيين جميعاً، فله عموم الحمد وكماله، وهذا من خصائصه سبحانه، فهو المحمود على كل حال وعلى كل شيء أكمل حمد وأَعظمه، كما أَن له الملك التام العام فلا يملك كل شيء إِلا هو وليس الملك التام الكامل إِلا له وأَتباع الرسل [صلوات الله وسلامه عليهم] يثبتون له كمال الملك وكمال الحمد فإِنهم