يقولون: إِنه خالق كل شيء وربه ومليكه، لا يخرج عن خلقه وقدرته ومشيئته شيء البتة فله الملك كله. والقدرية المجوسية يخرجون من ملكه أَفعال العباد، فيخرجون [طاعات الأنبياء والمرسلين والملائكة والمتقين من ملكه كما يخرجون] سائر حركات الملائكة والجن والإِنس عن ملكه. وأَتباع الرسل يجعلون ذلك كله داخلاً [تحت] ملكه وقدرته، ويثبتون كمال الحمد أَيضاً، وأَنه المحمود على جميع ذلك وعلى كل ما خلقه ويخلقه، لما له فيه من الحكم والغايات المحمودة المقصودة بالفعل. وأَما نفاة الحكمة والأَسباب من مثبتى القدر فهم فى الحقيقة لا يثبتون له حمداً كما لا يثبتون له الحكمة فإن الحمد من لوازم الحكمة والحكمة إِنما تكون فى حق من يفعل شيئاً لشيء فيريد بما يفعله الحكمة الناشئة من فعله فأما من لا يفعل شيئاً لشيء البتة فلا يتصور فى حقه الحكمة. وهؤلاءِ يقولون: ليس فى أَفعاله وأَحكامه لام التعليل، وما اقترن بالمفعولات من قوى وطبائع ومصالح فإِنما اقترنت بها اقتراناً عادياً، لا أَن هذا كان لأَجل هذا، ولا نشأَ السبب لأَجل المسبب، بل لا سبب عندهم ولا مسبب البتة، إِن هو إِلا محض المشيئة وصرف الإِرادة التى ترجح مثلاً على مثل، بل لا مرجح أَصلاً، وليس عندهم فى الأَجسام وطبائع وقوى تكون أَسباباً لحركاتها، ولا فى العين قوة امتازت بها على الرِّجل يبصر بها، ولا فى القلب قوة يعقل بها امتاز بها [على] الظهر، بل خص سبحانه أَحد الجسمين بالرؤية والعقل والذوق تخصيصاً لمثل على مثل بلا سبب أَصلاً ولا حكمة، فهؤلاءِ لم يثبتوا له كمال الحمد، كما لم يثبت له أُولئك كمال الملك، وكلا القولين منكر عند السلف وجمهور الأُمة.
ولهذا كان منكرو الأَسباب والقوى والطبائع يقولون: العقل نوع من العلوم الضرورية كما قال القاضيان أبو بكر بن الطيب وأبو يعلى بن الفراءِ وأَتباعهما. وقد نص أَحمد على أَنه غريزة، وكذلك الحارث المحاسبى وغيرهما، فأولئك لا يثبتون غريزة ولا قوة ولا طبيعة ولا سبباً، وأبطلوا مسميات هذه الأَسماءِ جملة وقالوا: إِن ما فى الشريعة من المصالح والحكم لم يشرع الرب سبحانه ما شرع من الأَحكام لأَجلها بل اتفق اقترانها بها أَمراً اتفاقياً،