كما قالوا نظير ذلك فى المخلوقات سواء، والعلل عندهم أَمارات محضة لمجرد الاقتران الاتفاقى.
وهم فريقان: أَحدهما لا يعرجون على المناسبات ولا يثبتون العلل بها البتة، وإِنما يعتمدون على تأْثير العلة بنص أَو إِجماع، فإِن فقدوا فزعوا إِلى الأَقيسة الشبهية.
والفريق الثانى أَصلحوا المذهب بعض الإِصلاح وقربوه بعض الشيء وأَزالوا تلك النفرة عنه، فأثبتوا الأَحكام بالعلل والعلل بالمناسبات والمصالح، ولم يمكنهم الكلام فى الفقه إلا بذلك، ولكم جعلوا اقتران أَحكام تلك العلل والمناسبات بها اقتراناً عادياً غير مقصود فى نفسه العلل والمناسبات أَمارات ذلك الاقتران، وهؤلاءِ يستدلون على إثبت علم الرب تعالى بما فى مخلوقاته من الأحكام والإِتقان والمصالح، وهذا تناقض بين منهم، فإِن ذلك إِنما يدل إِذا كان الفاعل يقصد أَن يفعل الفعل على وجه مخصوص لأَجل الحكمة المطلوبة منه، وأَما من لم يفعل لأَجل ذلك الإحكام والإِتقان وإِنما اتفق اقترانه بمفعولاته عادة فإِن ذلك الفعل لا يدل على العلم، ففى أَفعال الحيوانات من الإِحكام والإِتقان والحكم ما هو معروف لمن تأمله، ولكن لما لم تكن تلك الحكم والمصالح مقصودة لها لم تدل على علمها. والمقصود أَن هؤلاءِ إِذا قالوا: إِنه تعالى لا يفعل لحكمة امتنع عندهم أَن يكون الإِحكام دليلاً على العلم وأَيضاً فعلى قولهم يمتنع أَن يحمد على ما فعله لأَمر ما حصل للعباد من نفع، فهو سبحانه لم يقصد بما خلقه نفعهم ولا خلقه لنفعهم ومصالحهم، بل إنما أَراد مجرد وجوده لا لأَجل كذا ولا لنفع أَحد ولا لضره، فكيف يتصور فى حق من يكون فعله ذلك حمد؟ فلا يحمد على فعل عدل، ولا على ترك ظلم، لأَن الظلم- عندهم- والممتنع الذى لا يدخل فى المقدور، وذلك لا يمدح أَحد على تركه وكل ما أَمكن وجوده فهو عندهم عدل فالظلم مستحيل عندهم إِذ هو عبارة عن الممتنع المستحيل لذاته الذى لا يدخل تحت المقدور ولا يتصور فيه ترك اختيارى فلا يتعلق به حمد، وإخباره تعالى عن نفسه بقيامه بالقسط حقيقة عندهم مجرد كونه فاعلاً لا أَن هناك شيئاً هو قسط فى نفسه يمكن وجود ضده، وكذلك قوله:{وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت: ٤٦] نفى عندهم لما هو مستحيل فى نفسه لا حقيقة له، كجعل الجسم فى مكانين فى آن واحد، وجعله موجوداً معدوماً فى آن