وهذا القرآن المجيد عمدته ومقصوده الإخبار عن صفات الرب سبحانه وأسمائه وأفعاله وأنواع حمده والثناء عليه والإنباء عن عظمته وعزته وحكمته، وأنواع صنعه والتقدم إلى عباده بأمره ونهيه على ألسنة رسله، وتصديقه يفهم بما أقامه من الشواهد والدلالات على صدقهم وبراهين ذلك ودلائله وتبيين مراده من ذلك كله، وكان من تمام ذلك الإخبار عن الكافرين والمكذبين وذكر ما أجابوا به رسلهم وقابلوا به رسالات ربهم ووصف كفرهم وعنادهم وكيف كذبوا على الله وكذبوا رسله وردوا أمره ومصالحه، فكان في اجتلاب ذلك من العلوم والمعارف والبيان وضوح شواهد الحق وقيام أدلته وتنوعها، وكان موقع هذا من خلقه موقع تسبيحه تعالى وتنزيهه من الثناء عليه، وإن أسماءه الحسنى وصفاته العليا هي موضع الحمد، ومن تمام حمده تسبيحه وتنزيهه عما وصفه به أعداؤه والجاهلون به مما لا يليق به.
وكان في تنوع تنزيهه عن ذلك من العلوم والمعارف وتقرير صفات الكمال وتكميل أنواع الحمد ما في بيان محاسن الشيء وكماله عند معرفة ما يضاده ويخالفه، ولهذا كان تسبيحه تعالى من تمام حمده، وحمده من تمام تسبيحه، ولهذا كان التسبيح والتحميد قربتين، وكان ما نسبه إليه أعداؤه، والمعطلون لصفات كماله- من علوه على خلقه وإنزاله كلامه الذي تكلم به على رسله وغير ذلك مما نزه عنه نفسه وسبح به نفسه ن وكان في ذلك ظهور حمده في خلقه وتنوع أسبابه وكثرة شواهده وسعة طرق الثناء عليه به وتقرير عظمته ومعرفته في قلوب عباده، فلولا معرفة الاسباب التي يسبح وينزه ويتعالى عنها، وخلق من يضفيها إليه ويصفه بها، لما ينزهونه. فلما رأوا في خلقه من قد نسبه إلى ما لا يليق به وجحد من كماله ما هو أولى به سبحوه، وحينئذ تسبيح مجل له معظم له منزه عن أمر قد نسبه إليه أعداؤه والمعطلون لصفاته ونظير هذا اشتمال كلمة الإسلام- وهي شهادة أن لا إله إلا الله- على النفي والإثبات، فكان في الإتيان بالنفي في صدر هذه الكلمة من تقرير الإثبات وتحقيق معنى الإلهية وتجريد التوحيد الذي قصد بنفي الإلهية عن كل ما ادعيت فيه سوى الإله الحق تبارك وتعالى، فتجريد هذا التوحيد من العقد واللسان يتصور إثبات الإلهية لغير الله كما قاله أعداؤه المشركون ونفيه وإبطاله من القلب واللسان من تمام التوحيد وكماله وتقريره