للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأشعرى أبا على الجبائى عن ثلاثة إخوة لأب وأم مات أحدهم صغيراً، وبلغ الآخر فاختار الإسلام، وبلغ الآخر فاختار الكفر، فاجتمعوا عند رب العالمين، فرفع درجة البالغ المسلم فقال أخوه الصغير: يا رب، ارفع درجتى حتى أبلغ منزلة أخى، فقال: إنك لا تستحق، إن أخاك بلغ فعمل أعمالاً استحق بها تلك الدرجة، فقال: يا رب، فهلا أحييتنى حتى أبلغ فأعمال عمله"، فقال: كانت تلك لمصلحة تقتضى اخترامك قبل البلوغ، لأنى علمت أنك لو بلغت لاخترت الكفر، فكانت المصلحة فى قبضك صغراً. قال: فصاح الثالث بين أطباق النار وقال: يا رب، لم لم تمتنى صغيراً؟ فما جواب هذا أيها الشيخ؟ فلم يرد إليه جواباً. قالوا: وإذا علم سبحانه من بعض العبيد أنه لا يختار الإسلام وأنه لا يكون إلا كافراً مفسداً فى الأرض، فأى مصلحة لهذا العبد فى إيجاده؟ قالوا: وأى مصلحة لإبليس وذريته الكفار فى إيجادهم؟ فإن قلتم: عرضهم للثواب، قيل لكم: كيف يعرضهم لأمر قد يعلم أنهم لا يفعلونه ولا يقع منهم البتة؟ ومن هنا أَنكر غلاتهم العلم القديم، وكفّرهم السلف على ذلك، ومن أقرَّ به منهم فإقراره به مبطل لمذهبه وأصله فى وجوب مراعاة الصلاح والأصلح.

وهذا معنى قول السلف: ناظروا القدرية بالعلم، فإن جحدوه كفروا، وإن أقروا به خُصموا. قالوا: وأما حدث العوض على الآلام فالرب سبحانه قادر على إيصال تلك المنافع بدون توسط الآلام، قالوا: وهذا بخلاف المستأْجر فإن له منفعة وحاجة فى توسط تعب الأَجير واستيفاءِ منفعته، فأما من تعالى عن الانتفاع بخلقه ولا يحتاج إلى أحد منهم البتة فلا يعقل فى حقه ذلك. قالوا: وأما وقوع الآلام على وجه العقوبات فذلك إنما يحسن فى الشاهد لحصول التشفى من الجناة وإطفاءِ نار الغيظ والغضب بالاتتقام منهم، وذلك لحاجة المعاقب إلى العقاب وانتفاعه به، وقياس الغائب على الشاهد فى ذلك ممتنع. قالوا: وأما الإيلام للاعتبار بأن يعتبر الغير بالألم الواقع بغيره فيكون ذلك أدعى له إلى الإذعان والانقياد، فلا ريب أن الصبى إذا شاهد المعلم يضرب غيره على لعبه وتفريطه كان ذلك مصلحة واعتباراً له، ولعله أن ينتفع بضرب ذلك الغير أكثر من انتفاع المضروب، أو حيب لا ينتفع المضروب، ولكن إنما يحسن ذلك إذا كان المضروب مستحقاً للضرب، فأَين استحقاق الأَطفال والبهائم؟ قالوا: وكذلك تمكينه تعالى عباده أن يؤلم بعضهم بعضاً ويضر بعضهم بعضاً- مع

<<  <   >  >>