الْحقَّ وَيَهْدِى إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: ٦] ، ومن سواه من الصم والبكم [الذى] قال الله فيهم: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا [كنا] فِى أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[الملك: ١٠] ، وقال تعالى:{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أنما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى، إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبَابِ}[الرعد: ١٩] ، وكان ما شهدوه من ذلك بالعقل والفطرة لا بمجرد الخبر، بل جاء إخبار الرب [تعالى] وإخبار رسوله مطابقاً لما فى فطرهم السليمة وعقولهم المستقيمة فتضافر على إِيمانهم به الشريعة المنزلة والفطرة المكملة والعقل الصريح فكانوا هم العقلاء حقاً وعقولهم هى المعيار، فمن خالفها فقد خالف صريح المعقول والقواطع العقلية، ومن أراد معرفة هذا فليقرأ كتاب شيخنا وهو "بيان موافقة العقل الصريح للنقل الصحيح" فإنه كتاب لم يطرق العالم له نظير فى بابه، فإِنه هدم فيه قواعد أَهل الباطل من أُسها فخرت عليهم سقوفه من فوقهم، وشيد فيه قواعد أَهل السنة والحديث وأحكمها ورفع [أعلامها وقررها بمجامع الطرق التى تقرر بها الحق] من العقل والنقل والفطرة والاعتبار فجاءَ كتاباً لا يستغنى من نصح [نفسه من أهل العلم عنه فجزاه الله عز وجل عن أهل العلم والإيمان] أفضل الجزاء، وجزى العلم والإيمان عنه [كذلك] .
عدنا إلى إتمام الكلام فى كيفية دخول الشر فى القضاء الإلهى، وبيان طرق الناس فى ذلك، واختلافهم فى إِيلام الأَطفال والبهائم. وقالت "البكرية" وهم أتباع بكر ابن أُخت عبد الواحد بن زيد البصرى: إِن البهائم والأَطفال لا تأْلم البتة، والذى حملهم على هذا موجب التعليل والحكمة، ولم يرتضوا ما قالت الجبرية من نفى ذلك ولا ما قالت المعتزلة من حديث الأَعواض وما فرّعوه عليه ولم يمكنهم القول بمذهب "التناسخية" القائلين بأن الأرواح الفاجرة الظالمة تودع فى الحيوانات التى تناسبها فينالها من أَلم الضرب والعذاب بحسبها، ولا بمذاهب "المجوس" من إسناد الشر والخير إلى إلهين مستقلين كل منهما يذهب بخلقه، ولا بقول من يقول: إن البهائم مكلفة مأْمورة منهية مثابة معاقبة، وأن فى كل أُمة منها رسول ونبى منها، وهذه الآلام والعقوبات الدنيوية جزاءٌ على مخالفتها لرسولها ونبيها، فلم يجدوا بداً من التزام ما ذهبوا إليه من إنكار وقوع الآلام بها ووصولها إليها.
وقد رد عليهم الناس بأنهم كابروا الحس وجحدوا الضرورة، وأَن العلم بخلاف ما ذهبوا إليه ضرورى. وقال من