منه إليه والاستعاذة منه به ولا ملجأ منه إلا إليه ولا مهرب منه إلا إليه لا إله إلا هو العزيز الحكيم.
منكر القضاء والقدر- فمخذول محجوب عن شهود التوحيد مصدود عن شهود الحكمة الإلهية، موكول إلى نفسه [فهو] ممنوع عن شهود عزة الرب فى قضائه وكمال مشيئته ونفوذ حكمه وعن شهود عجزه هو وفقره وأنه لا توفيق له إلا بالله، وأنه إن لم يعنه الله فهو مخذول وإن لم يوفقه ويخلق له عزيمة الرشد وفعله فهو عنه ممنوع، فحجابه عن الله غليظ، فإنه لا حجاب أغلظ من الدعوى، ولا طريق إلى الله أقرب من دوام الافتقار إليه.
المشهد الرابع: مشهد التوحيد والأمر، فيشهد انفراد الرب بالخلق، ونفوذ مشيئته وتعلق الموجودات بأسرها به وجريان حكمه على الخليقة وانتهاءها إلى ما سبق لها فى علمه وجرى به قلمه، ويشهد ذلك أمره ونهيه وثوابه وعقابه، وارتباط الجزاءِ بالأعمال واقتضاءها له ارتباط المسببات بأسبابها التى جعلت أسباباً مقتضية لها شرعاً وقدراً وحكمة، فشهوده توحيد الرب [تعالى] وانفراده بالخلق ونفوذ مشيئته وجريان قضائه وقدره يفتح له باب الاستعاذة ودوام الالتجاء إليه والافتقار إليه، وذلك يدنيه من عتبة العبودية ويطرحه بالباب فقيراً عاجزاً مسكيناً لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً وشهوده أمره تعالى ونهيه وثوابه وعقابه يوجب له الحمد والتشمير وبذل الوسع والقيام بالأمر والرجوع على نفسه باللوم والاعتراف بالتقصير، فيكون سيره بين شهود العزة والحكمة والقدرة الكاملة والعلم السابق والمنة العظيمة، وبين شهود التقصير والإساءة منه وتطلب عيوب نفسه وأعمالها.
فهذا هو العبد الموفق المعان الملطوف به المصنوع له الذى أُقيم مقام العبودية وضمن له التوفيق، وهذا هو مشهد الرسل صلوات الله وسلامه عليهم فهو مشهد أَبيهم آدم إِذ يقول:{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَّمْ تَغْفِرْ لنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف: ٢٣] ، ومشهد أول الرسل نوح إذ يقول:{رَبِّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْس لِى بِهِ عِلْمٌ، وإِلا تَغْفِرْ لِى وَتَرْحَمْنِى أكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[هود: ٤٧] ومشهد إمام الحنفاء وشيخ الأنبياء إبراهيم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين إذ يقول: {الَّذِى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِى هُوَ