فعلم صلى الله عليه وسلم أن الذى يحول بين العبد وبين الشرك وعبادة الأصنام هو الله لا رب غيره، فسأله أن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام. وهذا هو مشهد موسى إذ يقول فى خطابه لربه:{أَتُهْلِكُنَا بِمَا فعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِى إِلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِى مَنْ تَشَاءُ، أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ}[الأعراف: ١٥٥] ، أى إِنْ ذلك إلا امتحانك واختبارك، كما يقال فتنت الذهب إذا امتحنته واختبرته، وليس من الفتنة التى هى الفعل المسيء كما فى قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[البروج: ١٠] وكما فى قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ}[البقرة: ١٩٣] فإن تلك فتنة المخلوق، فإن موسى أعلم بالله [تعالى] بأن يضيف إليه هذه الفتنة وإنما هى كالفتنة فى قوله: {وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً}[طه: ٤٠] ، أى ابتليناك واختبرناك وصرفناك فى الأحوال التى قصها الله [سبحانه] علينا من لدن ولادته إِلَى وقت خطابه له وإنزاله عليه كتابه.
والمقصود أن موسى شهد توحيد الرب وانفراده بالخلق والحكم وفعل السفهاء ومباشرتهم الشرك، فتضرع إليه بعزته وسلطانه وأَضاف الذنب إلى فاعله [وجانيه] ، ومن هذا قوله:{رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى فَاغْفِرْ لِى}[القصص:١٦] ، قال تعالى:{فَغَفَرَ لَهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وهذا مشهد ذى النون إذ يقول: {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين}[الأنبياء: ٨٧] ، فوحد ربه ونزهه عن كل عيب وأضاف الظلم إلى نفسه وهذا مشهد صاحب سيد الاستغفار إذ يقول فى دعائه:"اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّى لا إِلهَ إلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِى وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِك وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَى، وَأَبُوءُ بِذَنْبِى، فَاغْفِرْ لِى، إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ".
فأقر بتوحيد الربوبية المتضمن لانفراده سبحانه بالخلق وعموم المشيئة ونفوذها، وتوحيد الإلهية المتضمن لمحبته وعبادته وحده لا شريك له والاعتراف بالعبودية المتضمن للافتقار من جميع