للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

له من جهة أخرى، وهذا عبد الله حمار كان يكثر شرب الخمر والله يبغضه من هذه الجهة، ويحب الله ورسوله ويحبه الله ويواليه من هذه الجهة، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعنه وقال: إنه يحب الله ورسوله ونكتة المسألة أن الاصطفاء والولاية والصديقية وكون الرجل من الأبرار ومن المتقين ونحو ذلك كلها مراتب تقبل التجزيء والانقسام والكمال والنقصان كما هو ثابت باتفاق المسلمين في أصل الإيمان، وعلى هذا فيكون هذا القسم مصطفى من وجه ظالما لنفسه من وجه آخر.

وظلم النفس نوعان: نوع لا يبقى معه شيء من الإيمان والولاية والصديقية والاصطفاء وهو ظلمها بالشرك والكفر، ونوع يبقى معه حظه من الإيمان والاصطفاء والولاية وهو ظلمها بالمعاصي، وهو درجات متفاوتة في القدر والوصف.

فهذا التفصيل يكشف قناع المسألة ويزيل أشكالها بحمد الله. قالوا: وأما قولكم: إن قوله تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ} مرفوع لأنه بدل من قوله: {ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر: ٣٢] [الشورى: ٢٢] وهو مختص بالسابقين، وذكر حليتهم فيها من أساور من ذهب يدل على ذلك إلخ.

فجوابه من وجهين: أحدهما أن هذا بعينه وارد عليكم، فإن المقتصد من أهل الجنات، ومعلوم أن جنات السابقين بالخيرات أعلى وأفضل من جناته، فما كان جوابكم عن المقتصد فهو الجواب بعينه عن الظالم لنفسه، فإن التفاوت حاصل بين جنات الأصناف الثلاثة، ويختص كل صنف بما يليق بهم ويقتضيه مقامهم وعملهم.

الجواب الثاني: أنه سبحانه ذكر جزاء السابقين بالخيرات هنا مشوقا لعباده إليه منبها لهم على مقداره وشرفه، وسكت عن جزاء الظالمين لأنفسهم والمقتصدين ليحذر الظالمون ويجد المقتصدون، وذكر في سورة الإنسان جزاء الأبرار منبها على ما هو أعلى وأجل منه وهو جزاء المقربين السابقين ليدل على أن هذا إذا كان جزاء الأبرار المقتصدين فما الظن بجزاء المقربين السابقين فقال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً} إلى قوله:

{وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ} إلى قوله: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} [الإنسان: ٥-٢١] ، فذكر

<<  <   >  >>