للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في هذه الآية: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} الآية، قال "كل ناج".

وقال آدم بن أي إياس: حدثنا أبو فضالة عن الأزهري عبد الله الخزاز، حدثنا من سمع عثمان بن عفان يقول: ألا إن سابقنا أهل جهادنا، ألا وإن مقتصدنا أهل حضرنا ألا وإن ظالمنا أهل بدونا، وقد تقدم حديث عائشة وأبي الدرداء وحذيفة. قالوا: فهذه الآثار يشد بعضها بعضا، وأنها قد تعددت طرقها واختلفت مخارجها وسياق الآية يشهد لها بالصحة فلا يعدل عنها.

والمقصود الكلام على مراحل العالمين وكيفية قطعهم إياها، فلنرجع إليه فنقول: أما الأشقياء فقطعوا تلك المراحل سائرين إلى دار الشقاء متزودين غضب الرب سبحانه ومعاداة كتبه ورسله ما بعثوا به، ومعاداة أوليائه والصد عن سبيله، ومحاربة من يدعو إلى دينه، ومقاتلة الذين يأمرون بالقسط من الناس، وإقامة دعوة غير دعوة الله التي بعث بها رسله لتكون الدعوة له واحدة، فقطع هؤلاء الأشقياء مراحل أعمارهم في ضد ما يحبه الله ويرضاه، وأما السائرون إليه فظالمهم قطع مراحل عمره في غفلاته وإيثار شهواته ولذاته على مراضي الرب سبحانه وأوامره مع إيمانه بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، لكن نفسه مغلوبة معه مأسورة مع حظه وهواه، يعلم سوء حاله ويعترف بتفريطه ويعزم على الرجوع إلى الله، فهذا حال المسلم.

وأما من زين له سوء عمله فرآه حسنا وهو غير معترف ولا مقر ولا عازم على الرجوع إلى الله الإنابة إليه أصلا، فهذا لا يكاد إسلامه أن يكون صحيحا أبدا ولا يكون هذا إلا منسلخ القلب من الإيمان، ونعوذ بالله من الخذلان.

وأما الأبرار المقتصدون فقطعوا مراحل سفرهم بالاهتمام بإقامة أمر الله وعقد القلب على ترك مخالفته ومعاصيه فهممهم مصروفة إلى القيام بالأعمال الصالحة واجتناب الأعمال القبيحة، فأول ما يستيقظ أحدهم من منامه يسبق إلى قلبه القيام إلى الوضوء والصلاة كما أمر الله، فإذا أدى فرض وقته اشتغل بالتلاة والأذكار إلى حين تطلع الشمس فيركع الضحى، ثم ذهب إلى ما أقامه الله فيه من الأسباب، فإذا حضر فرض الظهر بادر إلى التطهر والسعي إلى الصف الأول من المسجد فأدى فريضته كما كما أمر مكملا لها بشرائطها وأركانها وسننها وحقائقها الباطنة من الخشوع والمراقبة والحضور

<<  <   >  >>