للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا تبديل حقيقة. والذين نصروا هذا القول احتجوا بأن السيئة لا تنقلب حسنة، بل غايتها أن تمحى وتكفِّر ويذهب أثرها فأما أن تنقلب حسنة فلا، فإنها لم تكن طاعة، وإنما كانت بغيضة مكروهة للرب فكيف تنقلب محبوبة مرضية.

قالوا: وأيضاً فالذى دل عليه القرآن إنما هو تكفير السيئات ومغفرة الذنوب، كقوله تعالى: {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا} [آل عمران: ١٩٣] ، وقوله تعالى: {وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: ٣٠] [المائدة: ١٥] وقوله تعالى: {إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر: ٥٣] ، والقرآن مملوءٌ من ذلك.

وفى الصحيح من حديث قتادة عن صفوان بن محرز قال: قال رجل لابن عمر: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى النجوى؟ قال: سمعته يقول: "يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه، فيقول: هل تعرف؟ فيقول: رب أعرف، قال: فإنى قد سترتها عليك فى الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته، وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على الله عز وجل"، فهذا الحديث المتفق عليه الذى تضمن العناية بهذا العبد إنما فيه ستر ذنوبه عليه فى الدنيا ومغفرتها له يوم القيامة، ولم يقل له: وأعطيتك بكل سيئة منها حسنة.

فدل على أن غاية السيئات مغفرتها وتجاوز الله عنها، وقد قال الله فى حق الصادقين: {لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِى عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَْحْسَنِ الَّذِى كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الزمر: ٣٥] ، فهؤلاء خيار الخلق، وقد أخبر أنه يكفر عنهم سيئات أعمالهم، ويجزيهم بأحسن ما يعملون، وأحسن ما عملوا [إنما هو الحسنات لا السيئات فدل على أن الجزاء بالحسنى] إنما يكون على الحسنات وحدها، وأما السيئات [فإن فحسبها أن] تلغى ويبطل أثرها، قالوا: وأيضاً فلو انقلبت السيئات أنفسها حسنات فى حق التائب لكان أحسن حالاً من الذى لم يرتكب منها شيئاً وأكثر حسنات منه، لأنه إذا أساءَ شاركه فى حسناته التى فعلها وامتاز عنه بتلك السيئات ثم انقلبت له حسنات ترجح عليه، وكيف يكون صاحب السيئات أرجح ممن لا سيئته له؟

قالوا: وأيضاً فكما أن العبد إذا فعل حسنات، ثم أتى بما يحبطها فإنها لا تنقلب سيئات يعاقب عليها، بل يبطل أثرها ويكون لا له ولا عليه وتكون عقوبته عدم ترتب ثوابه عليها، فهكذا من فعل سيئات ثم تاب منها، فإنها لا تنقلب حسنات. فإن قلتم: وهكذا التائب

<<  <   >  >>