للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجرت هذه المسألة بحضرة شيخ الإسلام ابن تيمية، فسمعته يحكى هذه الأَقوال الثلاثة حكاية مجردة، فإما سألته وإما سئل عن الصواب منها، فقال: الصواب أن من التائبين من يعود إلى مثل حاله، ومنهم من يعود إلى أكمل منها، [مما كانت] ، ومنهم من يعود إلى أنقص مما كان. فإن كان بعد التوبة خيراً مما كان قبل الخطيئة وأشد حذراً وأعظم تشميراً وأعظم ذلاً وخشية وإنابة عاد إلى أرفع مما كان، وإن كان قبل الخطيئة أكمل فى هذه الأُمور ولم يعد بعد التوبة إليها عاد إلى أنقص مما كان عليه، وإن كان بعد التوبة مثل ما كان قبل الخطيئة رجع إلى مثل منزلته. هذا معنى كلامه [رضى الله عنه] .

قلت: وهاهنا مسألة هذا الموضع أخص المواضع ببيانها، وهى أن التائب إذا تاب إلى الله توبة نصوحاً، فهل تمحى تلك السيئات ويذهب لا له ولا عليه، أو إذا محيت أثبت له مكان كل سيئة حسنة؟ هذا مما اختلف الناس فيه من المفسرين وغيرهم قديماً وحديثاً، فقال الزجاج: ليس يجعل مكان السيئة الحسنة، لكن يجعل مكان السيئة التوبة، والحسنة مع التوبة.

قال ابن عطية: يجعل أَعمالهم بدل معاصيهم الأُولى طاعة، فيكون ذلك سبباً لرحمة الله إياهم، قاله ابن عباس وابن جبير وابن زيد والحسن، ورد على من قال هو فى يوم القيامة، قال: وقد ورد حديث فى كتاب مسلم من طريق أبى ذر يقتضى أن الله سبحانه يوم القيامة يجعل لمن يريد المغفرة له من الموحدين بدل سيئاته حسنات، وذكره الترمذى والطبرى، وهذا تأْويل سعيد بن المسيب فى هذه الآية. قال ابن عطية: وهو معنى كرم العفو، هذا آخر كلامه.

قلت: سيأتى إن شاء الله ذكر الحديث بلفظه والكلام عليه. قال المهدوى: وروى معنى هذا القول عن سلمان الفارسى وسعيد بن جبير وغيرهما. وقال الثعلبى: قال ابن عباس وابن جريج والضحاك وابن زيد: {يبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: ٧٠] يبدلهم الله بقبيح أعمالهم فى الشرك محاسن الأعمال فى الإسلام، فيبدلهم بالشرك إيماناً وبقتل المؤمنين قتل المشركين، وبالزنا عفة وإحصاناً. وقال آخرون: يعنى يبدل الله سيئاتهم التى عملوها فى حال إسلامهم حسنات يوم القيامة.

وأصل القولين أن هذا التبديل هل هو فى الدنيا أو يوم القيامة؟ فمن قال: إنه فى الدنيا قال: هو تبديل الأعمال القبيحة والإرادات الفاسدة بأضدادها، وهى حسنات،

<<  <   >  >>