للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحسنة مكان السيئة فحق. وكذلك نقول: إن الحسنة المفعولة صارت فى مكان السيئة التى لولا الحسنة لحلت محلها. قالوا: وأما احتجاجكم بإضافة السيئات إليهم وذلك يقتضى أن تكون هى السيئات الواقعة.

وتنكير الحسنات وهو يقتضى أن تكون حسنات من فضل الله، فهو حق بلا ريب ولكن من أين يبقى أن يكون فضل الله بها مقارناً لكسبهم إياها بفضله؟ قالوا: وأما قولكم: إن التبديل مضاف إلى الله لا إليهم وذلك يقتضى أنه هو الذى بدلها [سبحانه] من الصحف لا أنهم هم الذين بدلوا الأَعمال بأضدادها، فهذا لا دليل لكم فيه، فإن الله خالق أفعال العباد، فهو المبدل للسيئات حسنات خلقاً وتكويناً، وهم المبدلون لها فعلاً وكسباً.

قالوا: وأما احتجاجكم بأن الجزاءَ من جنس العمل، فكما بدلوا سيئات أعمالهم بحسناتهم بدلها الله كذلك فى صحف الأعمال، فهذا حق وبه نقول، وأنه بدلت السيئات التى كانت مهيأة ومعدة أن تحل فى الصحف بحسنات حلت موضعها.

فهذا منتهى أقدام الطائفتين، ومحط نظر الفريقين. وإليك أيها المنصف الحكم بينهما، فقد أدلى كل منهما بحجته، فأقام بينته، والحق لا يعدوهما ولا يتجاوزهما، فأَرشد الله من أعان على هدى فنال به درجة الداعين إلى الله القائمين ببيان حججه ودينه، أو عذر طالباً منفرداً فى طريق مطلبه قد انقطع رجاؤه من رفيق فى الطريق، فغاية أُمنيته أن يخلى بينه وبين سيره وأن لا يقطع عليه طريقه.

فمن رفع له مثل هذا العلم ولم يشمر إليه فقد رضى بالدون، وحصل على صفقة المغبون، ومن شمر إليه ورام أن لا يعارضه معارض، ولا يتصدى له ممانع فقد منى نفسه المحال، وإن صبر على لأْوائها وشدتها فهو والله الفوز المبين والحظ الجزيل.. وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أُنيب.

فالصواب إن شاءَ الله فى هذه المسألة أن يقال: لا ريب أن الذنب نفسه لا ينقلب حسنة، والحسنة إنما هى أمر وجودى يقتضى ثواباً، ولهذا كان تارك المنهيات إنما يثاب على كف نفسه وحبسها عن مواقعة المنهى، وذلك الكف والحبس أمر وجودى وهو متعلق الثواب.

وأما من لم يخطر بباله الذنب أصلاً ولم يحدث به نفسه، فهذا كيف يثاب على تركه، ولو أُثيب مثل هذا على ترك هذا الذنب لكان مثاباً على ترك ذنوب العالم التى لا تخطر بباله، وذلك أضعاف حسناته بما لا يحصى، فإن

<<  <   >  >>