للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَمَا لَنَآ أَلا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} [إبراهيم:١٢] ، وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} [النمل: ٧٩] ، فأمر [رسوله] بالتوكل عليه، وعقب هذا الأمر بما هو موجب للتوكل مصحح له مستدع لثبوته وتحققه، وهو قوله تعالى: "إنَّك على الحقِّ المبين فإن كون العبد على الحق يقتضى تحقيق مقام التوكل على الله، والاكتفاء به، والإيواءَ إلى ركنه الشديد، فإن الله هو الحق، وهو ولى الحق وناصره ومؤيده، وكافى من قام به،" [مخلصاً للحق] أن لا يتوكل عليه؟ وكيف يخاف وهو على الحق؟ كما قالت الرسل لقومهم: {وَمَا لَنَآ أَلا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} [إبراهيم: ١٢] ، فعجبوا من تركهم التوكل على الله [وهو] هداهم، [وأقروا] أن ذلك لا يكون أبداً.

وهذا دليل على أن الهداية والتوكل متلازمان: فصادف الحق- لعلمه بالحق [وليقينه] بأن الله ولى الحق وناصره- مضطر إلى توكله على الله لا يجد بداً من توكله. فإن التوكل يجمع أصلين: علم القلب وعمله. أما علمه: فيقينه بكفاية وكيله، وكمال قيامه بما وكله إليه، وأن غيره لا يقوم مقامه فى ذلك. وأما عمله: فسكونه إلى وكيله، وطمأٌنينته إليه، وتفويضه وتسليمه أَمره إليه، وأن غيره لا يقوم مقامه فى ذلك. ورضاه بتصرفه له فوق رضاه بتصرفه هو لنفسه. فبهذين الأصلين يتحقق التوكل، وهما جُماعه، وإن كان التوكل دخل فى عمل القلب من عمله، كما قال الإمام أحمد: التوكل عمل القلب، ولكن لا بد فيه من العلم، وهو إما شرط فيه، وإما جزءٌ من ماهيته.

والمقصود أن القلب متى كان على الحق كان أعظم لطمأنينته ووثوقه بأن الله وليه وناصره وسكونه إليه، فما له أن لا يتوكل على ربه؟ وإذا كان على الباطل علماً وعملاً أو أحدهما لم يكن مطمئناً واثقاً بربه فإنه لا ضمان له عليه، ولا عهد له عنده، فإن الله [سبحانه] لا يتولى الباطل ولا ينصره، ولا ينسب إليه بوجه، فهو منقطع النسب إليه بالكلية، فإنه سبحانه هو [الحق] ، وقوله الحق، ودينه الحق ووعده حق، ولقاؤه حق، وفعله [كله] حق.

ليس فى أفعاله شيء باطل، بل أفعاله سبحانه بريئة من الباطل، كما أقواله [سبحانه] كذلك، فلما كان الباطل لا يتعلق به [سبحانه] ، بل هو مقطوع [عليه] البتة كان صاحبه كذلك. ومن لم يكن له تعلق بالله العظيم، وكان منقطعاً عن ربه لم يكن الله وليه ولا ناصره ولا وكيله.

فتدبر هذا السر العظيم فى اقتران التوكل والكفاية بالحق والهدى وارتباط أحدهما بالآخر، لو لم يكن فى هذه

<<  <   >  >>