للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرسالة إلا هذه الفائدة السرية لكانت حقيقة أن تودع فى خزانة القلب، لشدة الحاجة إليها. والله المستعان وعليه التكلان

فظهر أن التوكل أصل لجميع مقامات الإيمان والإحسان، ولجميع أعمال الإسلام، وأن منزلته منها منزلة الجسد من الرأْس، فكما لا يقوم الرأْس إلا على البدن، فكذلك لا يقوم الإيمان ومقاماته وأعماله إلا على ساق التوكل. والله أعلم.

الوجه الثانى: أن قوله فى التوكل: "إنه فى طريق الخواص عمى عن الكفاية، ورجوع إلى الأسباب.. إلى آخر كلامه" مضمونه أن التوكل لا يتم إلا برفض الأسباب، والإعراض عنها جملة. والتوكل من أقوى الأسباب وأعظمها فى حصول المطلوب فكأَنه قد رفض سبباً وتعلق بسبب، وقد ناقض فى أمره، ولهذا قال: "فصار بدلاً عن تلك الأسباب"، وكأَنك تعلقت بما رفضته فهذه هى النكتة التى لأجلها صار التوكل عنده من منازل العوام، وهذه هى غير مسألة الجمع بين التوكل والسبب، بل هذه مسألة تعليل نفس التوكل. فيقال: قولك: "إنه عمى عن الكفاية" ليس كذلك، بل هو نظر إلى نفس الكفاية وملاحظة لها.

ولا ريب أن الكفاية من الله لا تنال إلا بأسبابها من عبوديته، وسببها المقتضى لها هو التوكل، كما قال الله تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: ٣] ، أى كافية، فجعل التوكل سبباً للكفاية فربط الكفاية بالتوكل كربط سائر الأسباب بمسبباتها، فكيف يقال: "إن التوكل عمى عن الكفاية"؟ وهل التوكل إلا محض العبودية التى جزاؤها الكفاية، وهى لا تحصل بدونه؟ بل العلة ههنا شهود حصولها بفعلك وتوكلك، غير ناظر إلى مسبب الأسباب الذى أجرى عليك هذا السبب ليوصلك به إلى الكفاية، فأول الأمر وآخره منه، فهو المنعم بالسبب والمسبب جميعاً، ولكن لا يوجب نظر العبد إلى المسبب المنعم بالسبب قطع نظره عن السبب والقيام به، بل الواجب القيام بالأمرين معاً.

الوجه الثالث: أن قوله: "إنه رجوع إلى الأسباب" إن أراد به أنه رجوع إلى سبب ينقص العبودية ويضعف التوكل فليس كذلك، وظاهر أن الأمر ليس كذلك،

<<  <   >  >>