للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن أراد به أنه رجوع إلى سبب نصبه الله مقتضياً للكفاية منه، ورتب عليه جزاءً لا يحصل بدونه فهذا حق، ولكن القيام بهذا السبب محض الكمال، ونفس العبودية. وهو كجعل الإسلام والإيمان والإحسان أسباباً مقتضية للفلاح والسعادة، بل كجعل سائر أعمال القلوب والجوارح أسباباً مقتضية لما رتب عليها من الجزاءِ، وهل الكمال إلا القيام بهذه الأسباب؟ فالأسباب التى تكون مباشرتها نقصاً هى الأسباب التى تضعف التوكل، وأَما أَن يكون التوكل نفسه ناقصاً لكون التحقق به تحققاً بالسبب فقلب للحقائق،

الوجه الرابع: أن قوله: "لأنك رفضت الأسباب ووقفت مع التوكل" إن أراد به رفض الأسباب جملة، فهذا كما أنه ممتنع عقلاً وحساً فهو محرَّم شرعاً وديناً، فإن رفض الأسباب بالكلية انسلاخ من العقل والدين، وإن أراد به رفض الوقوف معها والوثوق بها، وأنه يقوم [بها] قيام ناظر إلى سببها، فهذا حق ولكن النقص لا يكون فى السبب ولا فى القيام به، وإنما يكون فى الإعراض عن المسبب تعالى كما تقدم، فمنع الأسباب أن تكون أَسباباً قدح فى العقل والشرع، وإثباتها والوقوف معها وقطع النظر عن مسببها قدح فى التوحيد والتوكل، والقيام بها وتنزيلها منازلها والنظر إلى مسببها وتعلق القيام به جمع بين الأمر والتوحيد، وبين الشرع والقدر، وهو الكمال، والله أعلم.

الوجه الخامس: قوله: "فصار التوكل بدلاً عن تلك الأسباب" هذا حق، فإن التوكل من أعظم الأسباب، ولكنه بدل عنها، كما تكون الطاعة بدلاً عن المعصية، والتوحيد بدلاً عن الشرك، فهو بدل واجب مأْمور به مطلوب من العبد والمذموم أن يجعل العبد الأَسباب بدلاً عن التوكل، لا أن يجعل التوكل بدلاً عن الأسباب.

الوجه السادس: قوله: "فكأنك تعلقت بما رفضته من حيث معتقدك الانفصال" ليس كذلك، فإن المرفوض هو التعلق بغير الله والالتفات إلى سواه، فهذا هو الذى رفضه، وأما الذى تعلق به فهو التوكل على الله واللجأْ إِليه والتفويض إِليه والاستعانة به. فقد رفض المخلوق وتعلق بالخالق، فكيف يقال: إنه تعلق بما رفضه؟

الوجه السابع: أن قوله: "من حيث معتقدك الانفصال" يشير به إِلى أَن التوكل

<<  <   >  >>