للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والوقوف عندها.

الوجه الثالث عشر: قوله: "مع استواءِ الحالين عنده، وهو أن يعلم أن الطلب لا يجمع، والتوكل لا يمنع" يشير به إلى استواءِ الحالين فى مباشرة السبب وتركه نظراً إلى ما سبق. وهذا ليس بمأْمور ولا معذور، فإنه لا تستوى الحالتان شرعاً ولا قدراً، وكيف يستوى ما لم يسوِّه الله شرعاً ولا قدراً؟

الوجه الرابع عشر: قوله: "الطلب لا يجمع، التوكل لا يمنع فقد بين أن التوكل لا ينافى الطلب، بل حقيقة التوكل وكماله مقارنته للطلب ومصاحبته للسبب، وأما توكل مجرد عن الطلب والسبب فعجز وأمانى. فتوكل الحراث إنما هو بعد شق الأرض وبذرها، وحينئذ يصح منه التوكل فى طلوع الزرع. وأما توكله من غير حرث ولا بذر فعجز وبطالة.

الوجه الخامس عشر: قوله: "ومتى طالع بتوكله عرضاً كان توكله مدخولاً وقصده معلولاً. فإذا خلص من رق هذه الأسباب ولم يلاحظ فى توكله سوى خالص حق الله كفاه كل مهم فيقال: التوكل يكون فى أحد شيئين: إما فى حصول حظ العبد ورزقه ونصره وعافيته، وإما فى حصول مراد ربه منه، وكلاهما عبادة مأْمور بها، والثانى أكمل من الأول بحسب المتوكل فيه. ولكن توكله فى الأول لا يكون معلولاً من حيث هو توكل، وإِنما تكون علته أن صرف توكله إلى غيره أولى بالتوكل منه. وهذا إنما يكون نقصاً إذا أضعف توكله فى الأَمر ومراد الله منه.

وأما إن لم يضعفه بل أعطى كل مقام حقه من التوكل فهذا محص العبودية. والله أعلم.

فصل

المثال الخامس: الصبر. قال أبو العباس: "وهو من منازل العوام أيضاً، لأن الصبر حبس النفس على مكروه، وعقل اللسان عن الشكوى، ومكابدة الغصص فى تحمله، وانتظار الفرج عند عاقبته. وهذا فى طريق الخاصة تجلد ومناوأَة وجرأَة ومنازعة، فإن حاصله يرجع إلى كتمان الشكوى فى تحمل الأذى بالبلوى. وتحقيقه الخروج عن الشكوى بالتلذذ بالبلوى والاستبشار باختيار المولى.

وقيل: إنه على ثلاث مقامات مرتبة بعضها فوق بعض، فالأول: التصبر، وهو تحمل مشقة، وتجرع غصة،

<<  <   >  >>