للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصل

وأما المسألة الرابعة وهى: الفرق بين الشوق والاشتياق، فقال أبو عبد الرحمن السلمى: سمعت النصر أباذى يقول: للخلق كلهم مقام الشوق، وليس لهم مقام الاشتياق. ومن دخل فى حال الاشتياق هام فيه حتى لا يرى له أثر ولا قرار. وهذا يدل على أن الاشتياق عنده غير الشوق.

ولا ريب أن الاشتياق مصدر اشتاق يشتاق اشتياقاً، كما أن التشوق مصدر تشوق تشوقاً، والشوق فى الأصل اسم مصدر شاقه يشوقه شوقاً مثل شاقه شوقاً إذا دعاه إلى الاشتياق، فالاشتياق مطاوع شاقة يقال شاقنى فاشتقت إليه، ثم صار الشوق اسم مصدر الاشتياق وغلب عليه حتى لا يفهم [منه] عند الإطلاق إلا الاشتياق القائم بالمشوق والمشوق هو الصب المشتاق، والشائق هو الذى قام به وادعى الشوق.

[فهاهنا] ألفاظ الشوق والاشتياق والتشوق والشائق والمشوق والشيق. فهذه ستة ألفاظ: أحدها: الشوق، وهو فى الأصل مصدر الفعل المتعدى شاقه يشوقه، ثم صار اسم مصدر الاشتياق. اللفظ الثانى: الاشتياق، وهو مصدر اشتاق اشتياقاً، والفرق بينه وبين الشوق هو الفرق بين المصدر واسم المصدر. اللفظ الثالث: التشوق وهو مصدر تشوق إذا اشتاق مرة بعد مرة كما يقال: تجرع وتعلم وتفهم. وهذا البناءُ مشعر بالتكلف وتناول الشيء على مهلة. اللفظ الرابع: الشائق، وهو الداعى للمشوق إلى الاشتياق. واللفظ الخامس: المشوق، وهو المشتاق الذى قد حصل له الشوق. اللفظ السادس: الشيق، وهو فعل بمنزلة هين ولين، وهو المشتاق.

فهذه فروق ما بين هذه الألفاظ، وأما كون الاشتياق أبلغ من الشوق فهذا قد يقال فيه: إنه الأصل وهو أكثر حروفاً من الشوق، وهو يدل على المصدر الفاعل. وأما المشوق ففرع عليه لأنه اسم مصدر وأقل حروفاً وهو إنما يدل على المصدر المجرد، فهذه ثلاثة فروق [بينهما] . والله أعلم.

فصل

وأما المسألة الخامسة وهى فى مراتب الشوق ومنازله، فقال صاحب "منازل السائرين": "هو على ثلاث درجات: الدرجة الأولى: شوق العابد إلى

<<  <   >  >>